للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورواية ابن ماجه: "فَسَلُوني الهدى أَهدِكُم" (١). ويَتَجَدَّدُ الشُّكر كُلَّمَا ازدادَ هُدى، ولو هداهُ مِن قَبل أَنْ يسأله لهُ لَمَا قال: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: ٧٨].

وهذا الحديث حُجَّةٌ لأهل الحقِّ: أن الهدى والضلال خَلْقه [وفِعْلهُ يختصُّ بما شاء منهما مَن شاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وأنَّ ذلِكَ] (٢) لا قُدْرَةَ لِغَيْرِهِ عليه، قال تعالى: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [المدثر: ٣١] وقال: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: ٤٣]، وقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٠]، وقال: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥)} [يونس: ٢٥] فَعَمَّ بالدَّعوَةِ، وخَصَّ بالهِدَايةِ مَن سَبَقَتْ لَهُ العِنَايَةُ.

ثالِثُها: قوله: "كلُّكُمْ جَائِعٌ ... " إلى آخره، أي: النَّاسُ عَبِيدٌ، ومِنْ شأْنِ العبدِ عَدَمُ المُلْكِ، وخَزَائِنُ الرِّزقِ بِيَدِ المَوْلَى؛ فَمَنْ لَا يُطْعِمُهُ بِفَضْلِهِ بقِيَ جائعًا بعَدْلِهِ، إذْ ليسَ عليه إطعامُ عَبْدِهِ، وَأَمَّا قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] فالتِزَامٌ بِفَضْلٍ، لَا أَنَّ علْفةَ الدَّابَّةِ (٣) حَقّ بالأَصَالَةِ، وَشِبْهُ هذا قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: ١٧] الآية، أي: تَفَضُّلًا مِنهُ لَا إِلزَامًا، والإِطْعَامُ إمَّا: بِسَوْقِ الرِّزقِ، أَو تَسْهيل الآلةِ المُتَنَاوِلَةِ لَهُ.

وفي بعض كُتُبِ الحِكمَةِ: أَنَّ عيسى -صلوات الله وسلامه عليه، وعلى


(١) تقدّم تخريجه، ولكن المؤلف لم يذكر هذه الجملة في ضمن لفظ الحديث الذي ساقه، وهي في ابن ماجه (٢/ ١٤٢٢ رقم ٤٢٥٧) كما ذَكَر.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل؛ والظاهر أنه لانتقال نظر الناسخ، وقد استدركته من "المفهم" (٦/ ٥٥٣ - ٥٥٤)؛ وذلك لأنَّ المؤلف أخذ العبارة من أولها إلى نهاية الفقرة من "المفهم" بحروفها؛ ولأن العبارة لا تتم إلا بزيادة "المُفْهِم".
ونقل هذا الكلام بتمامه الفاكهاني في "المنهج المبين" (٤١٢).
(٣) كذا بالأصل، وفي "التعيين" (١٨٦) "عَليه للدابة".

<<  <   >  >>