للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيها: "الوعظ": النصح، والتذكير بالعواقب، تقول: وعَظْته وعْظًا وعِظَةً واتَّعَظَ: قَبِلَ الموعظة.

ومعنى: "وجِلَت": خافت، ومنه: {وَقُلُوُبهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: ٦٠]، وكأنه كان مقام تخويف ووعيد.

وفي قوله: "مَوْعِظَةً بَلِيغَةً" أي: بلغت الثناء، وأَثَّرَت في قُلُوبنا وَجَلًا، وفي أعيننا تذارفًا.

و"ذَرَفَت" -بالذال المعجمة، ثم راء-: سَالَت بالدموع (١).

وجاء في بعض طُرُقهِ: "إنَّ هذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّع؛ فَمَاذا تَعْهدُ إِلَيْنَا؟! قال: "تَرَكْتُكُمْ عَلَى البَيْضَاءِ لَيْلُها كنَهارِها، لَا يَزِيغُ عَنْها إلَّا هَالِكٌ". وقال: "فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي ... " (٢) إلى آخره.


(١) قال الإمام الآجري في "أربعينه" (٣٦ - ٣٧) في تعليقه على قوله - رضي الله عنه -: "ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب" قال: "فمَيِّزوا هذا الكلام، لم يقُل: صَرَخنَا مِن مَوْعِظةٍ ولا زعقنا [ذُعِرنا]، ولا طرقنا [ضَرَبْنا] على رؤوسنا، ولَا ضَرَبنَا على صُدُورِنا، ولا زَفَنَّا ولا رَقَصنَا كما فعلَ كثيرٌ مِن الجُهَّال، يَصرُخُون عند المواعظِ، ويزعقون ويتغَاشَوْن، وهذا كُلّهُ مِن الشيطان يَلْعَبُ بهم، وهذا كله بدعةٌ وضلالة. ويتقال لمن فعل هذا: اعلم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أصدقُ الناس موعِظةً، وأنصحُ الناس لأُمَّتِهِ، وأرقُّ الناسِ قَلْبًا، وأصحابهُ أرَقُّ الناس قلوبًا، وخير الناس ممن جاءَ بعدَهم، ولا يَشُك في هذا عاقِل، ما صَرخُوا عند موعظتهِ، ولا زعقوا، ولا رقصوا .. ولو كان هذا صحيحًا لكانوا أحقَّ الناس بهذا أن يفعلوهُ بينَ يَدَيْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكنهُ بدعَةٌ وضَلالَةٌ وبَاطِلٌ ومُنكَرٌ، فاعلم ذلك" اهـ. وما بين المعقوفات مني. وانظر مثل قول الآجري في "الأربعون الطائية" (١٠٦).
(٢) رواه ابن ماجة (١/ ١٦ رقم ٤٣)، وابن أبي عاصم في "السنة" (١/ ٦٦ رقم ٤٨، ٤٩)، والطبراني في "الكبير" (١٨/ ٢٤٧ رقم ٦١٩، ٦٤٢)، والآجري في "الشريعة" (١/ ٤٠٣ رقم ٨٨)، والحاكم في "المستدرك" (١/ ٩٦)، و"المدخل" (٨١)، وابن عبد البر في "الجامع" (٢/ ١١٦٣ رقم ٢٣٠٣) وهو حديث صحيح كما تقدَّم.

<<  <   >  >>