للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: ٢] وقال عمر - رضي الله عنه -: "نِعْمَتِ البِدْعَةُ هَذِهِ" (١). وإِنَّمَا يُذَمُّ مِن البدعة: ما خَالَفَ السُّنَّةَ؛ ومِن المحدث: مَا دَعَا إلى ضلالة.

فمُرادُ الحديثِ: كُلُّ بِدعَةٍ لا يُسَاعِدُها دَلِيلٌ شَرْعِي، لأَنَّ الحَقَّ فيما جاء به؛ فمَا لَا يَرْجِعُ إليه بوجهٍ يكونُ ضلالة، إذ ليسَ بعدَ الحَقِّ إلَّا الضَّلالُ.

قاعدة: كل حُكْمٍ مَنَعَهُ الشَّارعُ، أو أَجَازَهُ فَحُكْمُهُ وَاضِحٌ، وإنْ أجازَهُ مرَّةً ومَنَعَهُ أُخْرَى فأحدهما ناسِخٌ للأول. وإن لم يَرِدْ مَنعٌ ولا إجازة، ولا يمكن رده إليه بوجه، فهي المسألة المشهورة، وقد يقال: يرجع فيه إلى المصلحة فما وافقها عمل به وما خالفها ترك.

سادسها: قوله: "وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيكُمْ عَبْدٌ" قال العلماء: العبدُ لا يكونُ واليًا، ولكن الشارع - صلوات الله وسلامه عليه - ضَرَبَ بهِ المثل تَقْدِيرًا، وإن لم يكن كقوله: "مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِدًا، وَلَوْ كمِفْحَصِ قَطَاةٍ، بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا في الجَنَّةِ" (٢) ولا يكون مفحص القطاة مسجدًا، ولكن أمثالٌ يُؤْتَى بها مثل هذا الَّذي عندنا أنَّه -عليه الصلاة والسلام- أخبر بفساد الأمر ووضعه في غير أهله، حتَّى توضع الولاية في العبد، فإذا كانت فاسمعوا وأطيعوا تغليبًا لأَهْوَنِ الضَّرَرَيْن، وهو الصبرُ على وِلَايةِ مَن لا تَجُوزُ وِلَايَتُهُ، لِئَلَّا يغيِّر ذلك فيخرج


(١) رواه البخاري (٣/ ٤٥ رقم ٢٠١٠).
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "المصنَّف" (٣/ ٨٨ رقم ٣١٧٤)، وابن حبان (٤/ ٤٩٠ رقم ١٦١٠)، والبزار (٩/ ٤١٢ رقم ٤٠١٦، ٤٠١٧)، والطبراني في "الصغير" (٢/ ٢٧٥ رقم ١١٥٩)، والطيالسي (١/ ٣٦٩ رقم ٤٦٣)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٤/ ٢٠٩ رقم ١٥٤٩ - ١٥٥٢)، والقضاعي (١/ ٢٩١ رقم ٤٧٩)، والبيهقي في "الكبرى" (٢/ ٤٣٧) عن أبي ذر - رضي الله عنه -.
وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (١/ ٢٢٧ رقم ٢٦٩).

<<  <   >  >>