فللَّه در معاذ ما أفصحه، لقد أوجز وأبلغ، وحَمِدَ الشَّارعُ مسألته، وأعجبه من فصاحته وقال:"لقد سَأَلتَ عَنْ عَظِيمٍ"، واستعظامه مُنْصَرِفٌ إلى العَمَلِ المطلوبِ الإيثارُ به لا ليتجنَّبه؛ بدليل قوله:"وإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَن يَسَّرَهُ اللهُ تعالى عليهِ" بمعنى: على مَن وَفَّقَهُ وهَدَاهُ وشَرَحَ صَدْرَهُ وَأَعَانَهُ على مَا وفَّقَهُ إليهِ، ثُمَّ أَرْشَدَهُ لعبادَتِهِ مُخْلصًا له الدِّين بقوله:"تَعبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بهِ شيئًا" والظَّاهِرُ أنَّ العبادةَ هنا: التَّوحيد؛ بدليل قوله:"لا تُشْرِكُ بهِ شَيْئًا"، ومنه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}[البقرة: ٢١]: وَحِّدُوهُ.
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦]: لِيُوَحِّدُوني.
فعلى هذا يكونُ قد ذَكَرَ لهُ التَّوحِيدَ وأعمالَ الإسلام، ويُحْتَمَلُ أنَّ العبادَةَ هنا تَتَنَاوَلُ الإيمانَ الباطن والإسلام الظاهر، ويكون قوله:"وَتُقِيمَ الصَّلاةَ ... " إلى آخره، عَطفُ خَاصٍّ على عَامٍّ؛ لتضمن قوله:"تَعْبُدُ اللهَ" لِمَا بعدَهُ، ثم قال:"وَتُقِيمَ الصَّلاةَ" وإقامة الصلاة: الإتيَانُ بها على أحوالها؛ كما قال في الحديث الآخر:"تَسْوِيَةُ الصَّفِّ مِن كَمَالِها"(١).
ثُمَّ ذَكَرَ له شَرَائِعَ الإسلامِ مِن الزَّكاةِ والصَّومِ والحجِّ، ثم دَلَّهُ على أبوابِ الخير؛ فقال:"الصَّومُ جُنَّةٌ" ويجوزُ أن يكونَ الصَّومُ هنا غير الفرض، والمراد: الإكثارُ مِنهُ.