للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: هل لابُدَّ مِن فعلهِ بعد هَجْعَةٍ، أَوْ لَا يُشتَرَطُ؟ فيه خلافٌ للعلماء، وظواهر الأحاديث تقتضي الإطلاق.

ثم أخبَرَهُ برأسِ الأَمْرِ وعمودِه وذروةِ سَنَامهِ، والجهادُ لا يقاوِمُهُ شيءٌ مِن الأعمال، وإن كان نَقْلُ العِلمِ أَفْضَل، وقد قالوا: "يا رسول الله! مَا يَعْدِلُ الجهاد؟ فقال: "لَا تُطِيقُونَهُ". ثُمَّ ذَكَرُوا سؤالهم، فقال: "لَا تُطِيقُونَهُ". ثُمَّ قال: "أَيَسْتَطِيعُ أَحَدَكُمْ أَنْ يَدخُلَ بيتًا فيصومُ ولا يُفْطِر، ويُصَلِّي ولا يَفْتُرُ فقالوا: لا، فقال: "إِنَّمَا مَثَلُ المجَاهِدِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ القَائِمِ الذي لَا يَفْتُرُ مِن صَلاةٍ وَلَا صِيَامٍ" (١).

ثم نَقَلَهُ مِن الجهاد الأصغر إلى الأكبر، وهو جهادُ النَّفس وقمعها من الكلام فيما يُرْدِيها (٢) ويؤذيها، ثم جعل أكثر دخول الناس النار من ألسنتهم، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ يَضْمَنْ لي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَرِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ" (٣)، وقد سلف في الحديث شرحُ الصمتِ وما فيه من الخير والسلامة (٤).

وأَمَّا أخذه -عليه الصلاة والسلام- بلسانه؟ فَلِأنَّهُ أبلغُ في الزَّجرِ، كما في قول الخليل -عليه الصلاة والسلام-: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: ٢٦٠].

فائدة: قال ابن هبيرة في "إجماع الأربعة": "اختَلَفُوا في أفضل الأعمال بعد الفرض؛ فقال الشافعي -رحمه الله-: الصلاة فرضًا ونَفْلًا.

وقال أحمد -رحمه الله-: "لا أعلمُ بعدَ الفرائض أفضل من الجهاد".


(١) رواه مسلم (٣/ ١٤٩٨ رقم ١٨٧٨) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) في الأصل: "يردها" ولعل ما أثبتناه أنسب.
(٣) رواه البخاري (٨/ ١٠٠ رقم ٦٤٧٤) عن سهل بن سعد - رضي الله عنه -.
(٤) يعني في الحديث الخامس عشر من هذه الأربعين.

<<  <   >  >>