للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَبْلِكُمْ بِكَثْرَةِ مَسَائِلِهِمْ، واختِلافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِم" (١).

وإن الله سبحانه لَمَّا أرسلَ رَسُولَهُ، وأنزلَ عليه كتابَهُ، وأمرَهُ بتبليغهِ إلى الأُمَّةِ قال -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بأَشْيَاءَ، فَامْتَثِلُوهَا، وَنَهاكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ؛ فَاجْتَنِبُوها، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ، فَلَا تَسْأَلُوا عَنْها"، وذلك كُلُّهُ على معنَى الرِّفقِ بالخَلْقِ، وَنَفْيِ الحَرَجِ عنهم، وإرادةِ التَّسْهيلِ عليهم، وكانَ يَتْرُكُ العَمَلَ خَوْفًا أنْ يُفْرَضَ عليهم.

وقال: "لو قلتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ" في أشباهِ ذَلِكَ، إلَّا أنْ تَنْزِلَ بالعبدِ نَازِلَةٌ، فحينئذ يتَعَيَّن عليه السؤال عنها فكانت الصحابةُ - رضي الله عنهم - قد فَهِمَتْ ذلك، فَكَفَّتْ وسَكَتَتْ، وكان يُعْجِبُهُم أن يأتيَ الأعرابُ يسألونَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيُجيبُهُم، فَيَسْمَعُونَ وَيَعُون.

وروى "الترمذي" (٢) أنَّ شي ذلك نزلت الآية السَّالِفَةُ، وكان بنو إسرائيل يَسْأَلونَ فَيُجَابونَ عَمَّا يَسْأَلُونَ، ويُعطَوْنَ مَا طَلَبُوا حتى كان ذلك لهم فتنةً، وأَدَّى ذلك بهم إلى هلاكِهِم" فاجتَنَبَتِ الصَّحابةُ ما فعلتْهُ بنو إسرائيل حتى بَالَغَ بعضُ العلماءِ فقال: لا يجوزُ السُّؤال في النَّوَازِل للعلماء حتى تَقَعَ. وكان السَّلفُ يقُولون في مِثْلِها: دَعُوهَا حتى تَنْزِل، وإنَّهُ لمكروهٌ، وإن لم يكن حرامًا، إلَّا أنَّ العلماءَ أَصَّلُوا، وَفَرَّعُوا، وَمَهدُوا، وَسَطَّرُوا لَمَّا خَافُوا ذَهابَ العُلماء ودُرُوسَ العِلمِ.


(١) رواه مسلم (٤/ ١٨٣٠ رقم ١٣٣٧).
ورواه بهذا اللفظ الترمذي (٤/ ٤١١ رقم ٢٦٧٩) وغيره.
(٢) انظر: "سنن الترمذي" (٥/ ١٤٤ - ١٤٥ رقم ٣٠٥٥، ٣٠٥٦).

<<  <   >  >>