للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المازري: "الباري تعالى لا يُوصَفُ بالصِّفةِ المَعْهُودَةِ فينا، لأَنَّهُ مُقَدَّسٌ عن أنْ يميل أو يمال إليه، وليس بذي جنس وطبع فيوصف بالشَّوْقِ الذي تَقْتَضِيهِ الطَّبيعةُ البشريَّةُ، وإنما محبته تعالى للخلق: إرادته لثوابهم ونعيمهم، على رأي بعض أهل العلم، وعلى رأي بعضهم: أنَّ المحبَّةَ راجِعَةٌ إلى نَفْسِ الإثابة والتنعيم لا الإرادة" (١).

أي: فَعَلَى هذا يكونُ صفة فِعْلٍ، وعلى الأول صفة ذات. وبه قال ابن فورك (٢).

ومعنى محبة المخلوقين له: إرادَتُهُمْ أنْ يُنَعِّمَهُمْ ويُحْسِنُ إليهم، أو لِمَا ابتدأهم به من نِعَمِهِ ودَفَعَ من نقمهِ، وإليه الإشارة بقوله -عليه الصلاة والسلام-: "أَحِبُّوا الله؛ لِمَا يَغْذُوكمْ بهِ مِنْ نِعَمِهِ" (٣)، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: ٣٤]، "جُبِلَت القلوبُ على حُبِّ مَن أحسَنَ إليها"، ولا إحسانَ في الحقيقةِ إلَّا لله، لأنَّهُ خالقها وخالقهم، ومن محبته: محبته رسله وأنبيائه وأوليائه وملائكته، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، واتِّباع سُنَّةِ رَسُولِهِ.

تَعْصِي الإلهَ وأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ ... هذا مُحَالٌ في القِيَاسِ بَدِيعُ

لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقًا لأَطَعْتَهُ ... إنَّ المُحِبَّ لمن يُحِبُّ مُطِيعُ (٤)


(١) "المعلم" تأليفه (١/ ٣٠٨ رقم ٣١٥).
(٢) ما ذكره المازري وابن فورك خطأ ظاهر، فإن المحبة صفة من صفات الباري عزَّ وجلَّ، وهي من الصفات الفعلية الثابتة بالكتاب والسنة، وهي لا تشبه صفات المخلوقين، ومن ثمار ولوَازم محبة الله لعبده إثابته ورضاه عنه.
واللوازم التي ذكرها المازري باطلة، والقوم ليس لديهم مستند فيما ذهبوا إليه لا من الأدلة النقلية، ولا من الأدلة العقلية، بل لا تؤيدهم حتى الفطرة السليمة.
(٣) رواه الترمذي (٦/ ١٢٦ رقم ٣٧٨٩)، وعبد الله في زوائده على "فضائل الصحابة" (٢/ ١٢٥٠ رقم ١٩٥٢)، والطبراني في "الكبير" (٣/ ٤٦ رقم ٢٦٣٩)، والحاكم (٣/ ١٤٩)، وأبو نعيم في "الحلية" (٣/ ٢١١) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٤) روى هذه الأبيات ابن الجنيد في "المحبة" (٤٠ رقم ٥٨)، والبيهقي في "الشعب" (٢/ ٤٤ - ٤٥).

<<  <   >  >>