للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتأخر أبي سعيد عن إنكاره حتى سُبِقَ إليه: قد لا يكون هو حاضرًا أول ما شرع في أسباب الخطبة، ثم حضر، أو كان حاضرًا، أو خشي فتنة، أو هَمَّ به فسبق ثم عضده. لكن في "الصحيحين" (١) عن أبي سعيد: "أنه هو الذي جَذَبَ يَدَ مَرْوَان حِينَ رَآهُ يَصْعَدُ المِنْبَر، فرَدَّ عليه مروان بمثل ما رَدَّ على الرَّجُل" فيجوزُ أن تكونَ قضيةً أُخرى.

ثانيها: هذا الحديث يرجع إلى قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠]، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: ٧١]، وقوله: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: ٧٩] وأشباه ذلك، ومن السنة إلى قوله -عليه الصلاة والسلام-: "إِذَا ظَهرَ المُنْكَرُ في أُمَّتِي فَلَمْ يُنْكِرُوهُ؛ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهم اللهُ بِعِقَابٍ مِنْ عِندهِ" (٢) في أَحاديثَ أُخَر مشهورة.

ثم إنَّ هذا الحديث يصلح أن يكون نصف علم الشريعة؛ لأنه إما معروف يجب العمل به، أو منكر يجب النهي عنه، وقام الإجماع على الأمر بالتغيير باليد، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الكتاب والسنة مع الإجماع، وهو أيضًا من النصيحة التي هي الدين، ولم يخالف في ذلك إلَّا بعض الرافضة -ولا يعتد به- وهم مسبوقون بالإجماع، ووجوبه بالشرع لا بالعقل خلافًا للمعتزلة.


(١) رواه البخاري (٢/ ١٧ رقم ٩٥٦)، ومسلم (٢/ ٦٠٥ رقم ٨٨٩).
(٢) رواه أحمد (١/ ١٧٧ رقم ١)، وأبو داود (٤/ ٣٣٠ رقم ٤٣٣٨)، والترمذي (٤/ ٤١ رقم ٢١٦٨)، والنسائي في "الكبرى" (١٠/ ٨٨ رقم ١١٠٩٢)، وابن ماجه (٢/ ١٣٢٧ رقم ٤٠٠٥)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٢١/ ٢٦٠ رقم ٣٨٧٣٨)، والحميدي (١/ ٣ رقم ٣)، وعبد بن حميد (١/ ١٧ رقم ١)، والبزار (١/ ١٣٥ رقم ٦٥، ٦٩)، وأبو يعلى (١/ ١١٨ رقم ١٢٨)، وابن حبان (١/ ٥٣٩ رقم ٣٠٤)، والبيهقي في "الكبرى" (١٠/ ٩١) عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>