للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذا ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصًّا ولا إجماعًا ولا قياسًا جليًّا (١).

وهذا الباب قد ضُيِّع أكثره في أزمان متطاولة، ولم يبق إلَّا الرُّسوم، وهو بابٌ عظيم به قِوامُ الأمر ومِلاكه، وإذا كثُر الخبثُ عمَّ العِقابُ: الصَّالح والطَّالح، وإذا لم يأخذوا على أيدي الظالم أَوْشَكَ أن يعمهم الله بعقاب: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣)} [النور]. فينبغي للطالب والسَّاعي في رضا الشَّريعةِ أن يعتني بذلك فإن نفعَهُ عامٌّ، ولا يهابُ أحدًا؛ فإن الرب -جل جلاله- وعده بالنصرة حيث قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: ٤٠]، وقال: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١)} [آل عمران]، وقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩]، وقال: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢)} [العنكبوت] والآية بعده، والأجرُ على قدر النَّصب، ولا يُحابي صديقَهُ ولا يُداهنه، بل حقه نصحه.

ولا بأس باستعمال الرِّفق فيه، فالله رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ في الأمر كُلِّهِ، ويُغْلِظُ على المُسْرِف، وما أحسن قول الإمام الشافعي: "مَن وَعَظ أَخاهُ سرًّا، فقد


(١) المسائل التي لا إنكار فيها هي المسائل الاجتهادية وهي التي لا نص فيها ولا إجماع ولا قياس جلي كما قال ابن الملقن، أمَّا المسائل الخلافية -والتي فيها نص ولكن قد يخفى على بعض العلماء أو قياس جلي- فإن الإنكار فيها متعين مهما كان القائل، وكم في كتب الفقه من إنكار بعض الصحابة على بعض، وإنكار الفقهاء بعضهم على بعض، وهذا مما لا يكاد يُحصِيه كتاب، ولا يلزم من الإنكار الحط من مكانة العلماء، مع التنبيه على مراعاة آداب الإنكار والتلطف والإجلال لأهل العلم والسُّنة والفضل والدِّين.

<<  <   >  >>