أمتي الخطأ، وتقديره: إن الله تجاوز لي من أمتي الخطأ، وأحسنها مركبة من عجز هذا الحديث، وصدر قوله:"إنَّ الله تَجَاوَزَ عَنْ أُمتي عَمَّا وَسْوَسَتْ بهِ صُدُورُها"(١) الحديث.
ثم هذا الحديث عامُّ النَّفع، عظيم الوقع، يرجع إلى قوله تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزاب: ٥]، وهو يَصِحُّ أنْ يُسَمَّى نصف الشريعة؛ لأن فعل الإنسان إِمَّا أن يصدر عن قصد واختيار، وهو العبد مع الذكر، أو لا، وهو الخطأ والنسيان والإكراه، وهذا القسم معفوّ عنه، والأول مأخوذ به، والعفو عن هذه الأفعال هو مقتضى الحكمة والنظر، مع أن الله -سبحانه وتعالى- لو أخذ بها لكان عادلًا.
ووجه ذلك أن فائدة التَّكليف وغايته تَمْييز الطَّائع مِن العاصي:{لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}[الأنفال: ٤٢]. لكن الطاعة والمعصية يستدعِيان قصدًا ونيةً، ويستند إليهما الثواب والعقاب، والمخطئ والناسي لا قصد لهما، وكذا المكره؛ لأنه آلةٌ، ولهذا ذهب غالب الأصوليين إلى أن هؤلاء الثلاثة غير مكلفين.
ووجه عموم هذا الحديث أن الفعل خطأً ونسيانًا وإكراهًا، يقع في الطهارة والصلاة والصوم والحج والطلاق وغيرها من أبواب العلم في صورٍ كثيرةٍ ومسائل عديدة، وفيها خلاف عندنا.
والأشبه: عدم الوقوع، وهو مَبْنِيٌّ على أن التَّجاوز عن حكم الخطأ والنسيان أو عن إثمه أو عنهما جميعًا، والكل محتمل.