للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يقل: "حتى يأتمر بما أمر به"، أو "حتى يجيء بما جئت به"، أو نحو ذلك؛ فإن المأمور بالشيء الملتزم به قد يفعله اضطرارًا لا اختيارًا، ولهذا لم يقتصر في الآية السالفة على: {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: ٦٥] بل قال: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا} ثم أكد بالمصدر في قوله: {تَسْلِيمًا} فلا يتوقف أصلًا (١).

وهذا وجيزٌ مُخْتَصر جامِع لأَفرادِ الشَّريعةِ؛ وذلك أنَّه -عليه أفضل الصلاة والسلام- إِنَّما جاء بشرائع الدِّين الكاملة، من الإيمان والإسلام والإحسان والنُّصح العام والخاص والاستقامة؛ فإذا كان هواه تبعًا لِمَا جاءَ به الشَّارعُ مِن الدين -أُصوله وفُرُوعهِ- فهو المؤمن حقًّا، والكافِر مُعرِضٌ عن ذلك إلى هواه، فهو الخاسِرُ حقًّا؛ فمن غلب عقله هواه فاز، ومن غلب هواه عقله؛ فالبهائم خير منه.

وعظٌ:

إنَّ الهوَانَ هُوَ الهوَى قُصِرَ اسْمُهُ ... فَإِذَا هويْتَ فقد لَقِيتَ هوانا

ويقال: إن هشام بن عبد الملك لم يقل في عمره إلَّا هذا البيت:

إذَا أَنْتَ لَمْ تعصِ الهوَى قادَكَ الهوَى ... إلى بعضِ مَا فيهِ عَليكَ مَقَالُ

فإذا خالف ميله فهو الرجل الشجاع؛ فإن العطب في الملام للنفس، والمنافرة هو المنجى من المهالك (٢)، وفقنا الله إلى ذلك.


(١) قارن بـ "المنهج المبين" للفاكهاني (٥٥٨ - ٥٥٩).
(٢) كذا بالأصل، والعبارة في "التعيين" (٣٣٢): "وحقيقة الهوى شهوات النفس، وهي ميلها إلى ما يُلائِمُها، وإعراضُها عمَّا ينافِرها، مع أنه ربما كان عطبُها في الملائِم وسلامتُها في المُنَافِر".

<<  <   >  >>