ما يرى من الحاجة، والحقيقةُ التي أَدرَكتُها خلال معايشتي لهذا الكتاب لسنوات عديدة، ومن خلال قراءتي لعامَّة الكتب التي شرحت "الأربعين" هي: أنَّ مَن أتى بعده من شُرَّاح الأربعين لا يقاربون شرحه، وكثير منهم عالة عليه، بل لا أُبالغ إن قلتُ إن شرحه يعدُّ أفضل الشُّروح المطبوعة مع شرح الإمام ابن رجب الحنبلي (ت: ٧٩٥ هـ)"جامع العلوم والحكم".
وقد كنتُ بدأتُ بتحقيق هذا الكتاب على نسخة فريدة فيها سقم وتحريف وسقط في عام (١٤٢٦ هـ) تقريبًا، ثم صرفني عنها صوارف علمية أُخرى ليس لي تأخيرها لعظم الحاجة إليها، فأجَّلتُ العمل عليه وانقطعتُ عنه فترات طويلة ثم عاودت العمل وأنا عاقِدُ العزم على طبعه ونشره بين أهل العلم وطلابه؛ لأنه كتاب فردٌ في معناه، ولأني قد بَذَلْتُ جُهدي وطاقتي في تحقيق النصِّ، وتصحيح النُّسخةِ الخطيَّةِ، وتوثيق الرسالة وخِدْمَتِها بما يليق، وقد عانيتُ كثيرًا في قراءة وفهم وتقويم النص، وهذا فيما أَرى هو عَمَلُ المُحقِّق حقًّا، وهو مع كونهِ من الأعمال المُتعِبة والتي تأكُلُ الجُهدَ والوقتَ إلَّا أنه مُمتِعٌ لكلِّ طالبِ عِلم، ولذلك لم آلُ جهدًا في تصويبِ كلمةٍ، أو تصحيح تَصْحيفٍ، أو تقويم عبارةٍ، أو فقرةٍ مُشكلة أتبيَّنُ مغزَاها، وأتأمل في مَبْناها، فيتبيَّنُ لي أن ثمَّةَ سقطًا أو تحريفًا، أو انتقال نظر ناسخ، وأحيانًا أقف ساعة أو ساعتين أو يومًا أو يومين في مثل هذه الأمور، حتى إن العبارة تراودني في حلي وتَرحالي، وأراجع لأجلها الأمهات الكبار، والرسائل الصغار، كلُّ ذلك حتى يخرج هذا الكتاب بهيئةٍ عِلميَّةٍ -فيما أحسب وأظن- تُؤدِّي الغرض، ورأيتُ أنه مهما عرض لي من عارض فإني عاقد العزم على إخراج هذا الكتاب بحلة تليق به، طال الزمان أو قصر، بما أني اجتهدت فيه