الثامن عشر: إن قُلتَ: أداءُ الدَّيْنُ، وردُّ الودائِعِ، والأَذَانُ، والتِّلاوةُ، والأَذكارُ، وهِدَايَةُ الطَّريقِ، وإِمَاطَةُ الأَذَى عِبَادَاتٌ، وتَصِحُّ بلا نِيَّةٍ؛ فالحَدِيثُ إذن عامٌّ مَخْصُوص!
قلتُ: لا نُسَلِّم أوَّلًا صحّتها بلا نِيَّةٍ.
تَنَزَّلنا وسلَّمناهُ؛ فالنيةُ مُلازِمَةٌ لها، فَإِنَّ مُؤَدِّي الدَّيْن قَصَدَ براءَةَ الذِّمَّة وهو عِبادة، وكَذا الوديعة والأذكار والتلاوة والأذان، لا ينفكُّ تعاطيهن عن القَصْد وهو نية، والهِدَاية والإماطَة مُتَرَدِّدٌ بينَ القُربة وغيرها وتتميَّز بالقَصد، والأفعال العادِيَّة كالأكل والشّرب والنَّوم ونحوها يترتب آثاره عليها من غير نيَّة؛ نعم، وُجُود النية يُصَيرها طاعات.
التاسع عشر:"الهجرة" في اللغة: التَّركُ، والمُرَادُ بها هنا: تركُ الوَطَن والانتقال إلى غيره. وهي:
في الشَّرع: مُفَارَقَةُ دارِ الكُفْرِ إلى دَار الإسلام خوفَ الفِتنَة، وطَلَبَ إقامَةِ الدِّينِ.
وفي الحقيقة: مُفَارقة ما يَكْرَه الله تعالى إلى ما يُحِب.
وَوَقَعَت في أوَّل الإسلام على خمسة أوجُهٍ:
إلى الحَبَشَة مَرتين.
ومِن مكَّةَ إلى المدينة.
وهِجرةُ القبائل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى أهاليهم (١).
(١) يوضحهُ كلام المؤلف في "الإعلام" (١/ ١٩٩) أنها هجرة القبائل إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ الفتح؛ لأخذ العِلم عنهُ كَوَفْدِ عبد القيس، ثم يرجعون إلى أهلهم ليعلموهم.