النبي صلى الله عليه وسلم قيده بإدراك ركعة لا غير، وقال أيضًا بأن الإنسان لا يصير مدركًا للجمعة بما دون الركعة، وإنما يصير المسبوق مدركًا للجمعة بركعة كاملة.
قلنا: أما الخبر نحمله على أنه إذا أدرك ركعة من العصر تكون صلاته أداء لا قضاء، ولو أدرك منه دون ذلك يصير قضاء على ما ذكرنا من قبل.
وأما الجمعة نقول في الفرق بينهما أن الإدراك إدراكان: إدراك إسقاط وإدراك إلزام.
فأما إدراك الإسقاط يشترط فيه كمال المدرك، ألا ترى أنه لو أدرك الإمام في السجود لا يصير مدركًا للدركعة، لأن ذاك إدراك إسقاط، لأنه يسقط به عن نفسه القيام والقراءة، بل يشترط فيه كمال المدرك، وهو أن يدرك الركوع هكذا في إدراك الجمعة إدراك إسقاط؛ لأنه أراد به إسقاط ركعتين عن نفسه، فيشترط فيه كمال المدرك وهو ركعة تامة.
وأما إدراك الإلزام لا يشترط فيه كمال المدرك، وسواء فيه بين اليسير والكثير احتياطًا للعبادات، كما لو اقتدى المسافر بالمقيم، فيلزمه الإتمام، سواء أدرك ركعة أو دونها، فكذا فيما نحن فيه إدراك إلزام، فسوى فيه بين القليل والكثير، فإن قيل: أليس أن المزني قال في أول الفصل: إذا أغمي على رجل فأفاق قبل مغيب الشمس، بركعة أعاد الظهر والعصر، ثم قال في آخره: إن أدرك الإحرام في وقت الآخر صلاهما جميعًا، وهذا ركاكة في اللفظ بل الأولى أن نقلب القصة، ونقول: إن أدرك ركعة صلاهما، وإن أدرك تحريمة أعادهما.
قال القاضي رضي الله عنه: ليس هذا تحلل من جهته؛ لأنه لم يرد به أن يصليهما في الوقت، وإنما أراد به في الموضعين أن يصليهما خارج الوقت، ويكون الكل قضاء، لأنه لا يمكنه الاشتغال بالصلاة في الوقت، سواء أدرك ركعة، أو ما دون الركعة لوجوب الاغتسال، أو الطهارة عليه.