الصناعة، وطيب النعمة، ونقاء الثوب، وحسن الوجه، ولا خلاف أن المكتسبة من هذه الخصال الستة مقدمة على غير المكتسبة ثم المكتبسة أيضا على مراتب، فالورع مقدم على غيره من الخصال؛ لأن هذه سفارة بين العبد، وبين الله تعالى، وفي السفارات يرشح لها من هو الأوجه عند توقع الحاجة إليه.
وأما الأوجه عند الله هو الأكرم والأتقى، قال الله تعالى:(إن أكرمكم عند الله أتقاكم). قال رضي الله عنه: ويحتمل أن يقال: الفقه، والقراءة أولى لأن الخبر فيها ورد، والنبي صلى الله عليه وسلم تعرض لهما دون الورع، فدل أنهما أهم وأولى، وإن استويا في الورع فالأقرأ أولى، وإن استويا في الورع والقراءة فالأفقه أولى، وإن استويا في الورع والفقه والقراءة، فالأسبق هجرة أولى، ومعنى سبق الهجرة أن يكون أحدهما أسلم منذ عشر سنين، والأخر اكتسب من الطاعات والخيرات، ما لم يكتسبه حديث العهد بالإسلام، وإن استويا في الخصال الأربع، فالأسن منهما أولى، فإن استويا في السن، فالأرفع نسبًا أولى، إن كان أحدهما أرفع نسبًا من صاحبه، فإن كان أحدهما أقرأ، والآخر أفقه، فالأفقه أولى عندنا.
وقال أبو حنيفة: الأقرأ أولى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الأقرأ وبدأ به.
أجاب الشافعي رحمه الله عليه، لأن هذا خطاب لأولئك الذي كانوا على عهده عليه السلام، وهم أنهم كانوا يسلمون كبارًا، ويتفقهون قبل أن يقرءوا، فكان لا يوجد قاريء منهم إلا وهو فقيه، وكان يوجد الفقيه، وهو ليس بقاريء فإنه قيل: لم يحفظ القرآن من الصحابة كله إلا ستة نفر: أبو بكر، وعثمان، وعلي، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وزيد بن ثابت وقيل: عبد الله بن عباس، رضي الله عنهم، ولأن ما يجزئه من القراءة في الصلاة محصور، وما يقع من الحوادث فيها غير محصورة، فقدم الأفقه بهذا المعنى، وإذا كان أحدهما أسن، والآخر أنسب فقولان: