وهذا الجواب وإن كان فيه بعض التخلص مما ألزمه الخصم على وجه الجدل، فإن إضافته الأحكام إلى من تتعلق به ممن جنى أو جُني عليه أظهر من تعلقها بمن يحكم في ذلك.
ولذلك يقال حكم جناية فلان وحكم ما جُني على فلان، وحكم ما أفسدت في المواشي. فثبت حكم الجناية بوجودها وإن لم يحكم به حاكم.
والتحرّز من هذا واجب لو تساوى إضافة الحكم إلى من حكم به وإضافته إلى من وجد منه أو وجد به، فكيف إذا كانت إضافته إلى من وجد منه أو وجد به أظهر.
ووجه ثانٍ: وهو أنه لو كان هذا على ما جاوب به لوجب أن يجزئه من هذا الحد قوله "معرفة الأحكام" إذ لا يصح على ما جاوب به أن يضاف حكم إلى غير مكلف. فلم تزد إضافة الأحكام إلى المكلفين إلا إلباسًا.
وعندي أن ما حددته به أسلم من الاعتراض، وهو قولنا "معرفة الأحكام الشرعية" احترازًا من الأحكام العقلية التي لا توصف في عادة المتخاطبين وعرفهم بأنها من الفقه، وإن كان معنى الفقه الفهم. تقول: فهمت ما قال فلان وفقهته. ومن فهم ما قال له قائل من الأحكام الشرعية العقلية صَحَّ بأن يوصف بأنه فقه عنه، وأنه فقيه بذلك. لكن عرف المخاطب قصر ذلك على نوع من العلم، ولذلك لا يوصف العالم بالعربية والحساب والهندسة ولغات العرب وغير ذلك من أنواع العلم بأنه فقيه وإن كنا لا نشك أنه لم يكن عالمًا حتى فقهها وفهمها.
أصول الفقه: ما انبنت عليه معرفة الأحكام الشرعية.
يريد أن أصول الفقه غير الفقه، لأن الشيء لا ينبني على نفسه، وإنما ينبني على سواه مما يكون أصلًا له، ويكون هو مستنبطًا ومأخوذًا منه، ومتوصلًا إليه بذلك الأصل.
وذلك أنه معرفة أحكام الأوامر والنواهي والعموم والخصوص والاستثناء والمجمل والمفصل وسائر أنواع الخطاب والنسخ والإجماع والقياس وأنواعه وضروبه وما يعترض به على كل شيء من ذلك وما يجاوب به عن كل نوع من الاعتراضات فيه، وتمييز صحيح ذلك من سقيمة مما يتوصل به إلى استنباط الأحكام من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وإلحاق المسكوت عنه بالمنطوق بحكمه.