معنى ذلك أنه هو الذي يفعل فعلًا يُستدل به على ما هو دليل عليه. وقد يكون هذا فيمن قصد الدلالة بذلك الفعل وفيمن لم يقصد ذلك، كاللصوص يُستدل على مكانهم بآثارهم. فيسمى فاعل ذلك الأثر دالًا في الحقيقة. فقد يوصل بالفعل من لم يوجد باختياره. فيقال لمن يعلم على ضرورة عالم. واللَّه أعلم وأحكم.
والمستدل: هو الطالب للدليل (١).
المستدل في الحقيقة هو الذي يطلب ما يستدل به على ما يريد الوصول إليه. كما يستدل به المكلف بالمحدثات على محدثها، ويستدل بالأدلة الشرعية على الأحكام التي جعلت أدلة عليها.
وقد سمّى الفقهاء المحتج بالدليل مستدلًا، ولعلهم أرادوا بذلك أنه محتج به الآن، وقد تقدم استدلاله به على الحكم الذي توصل به إليه، ويحتج الآن به على ثبوته.
والمستدل عليه: هو الحكم. وقد يقع على السائل أيضًا.
حقيقة المستَدَلّ عليه هو الحكم، لأن المستدل إنما يستدل بالأدلة على الأحكام، وإنما يصح هذا بإسناده إلى عرف المخاطبين الفقهاء. فقد يستدل بأثر الإنسان على مكانه، وليس ذلك بحكم. ولكن ليس هذا من الأدلة التي يريد الفقهاء تحديدها وتمييزها مما ليست بأدلة.
بل الأدلة عندهم في عرف تخاطبهم ما اشتمل عليه هذا الحد مما يوصف بأنه أدلة عندهم.
وقد يوصف المحتج عليه بأنه مُستدَلٌ عليه، لما تقدم من وصف المحتج بأنه مُستدِل. فإذا كان المحتج مستدلّا صح أن يوصف المحتج عليه بأنه مُستَدَل عليه.
والاستدلال: هو التفكر في حال المنظور فيه طلبّا للعلم بما هو نظر فيه أو لغلبة الظن إن كان مما طريقه غلبة الظن (١).
ومعنى ذلك أن الاستدلال هو الاهتداء بالدليل والاقتفاء لأثره حتى يوصل إلى الحكم.