وذلك أنّا قد وصفنا العلة بأنها هي الجالبة للحكم. ويوضح هذا عند القائلين بالتأثير أن يعدم الحكم لعدم العلة في موضع من المواضع. ولو عدم الحكم لعدم العلة في كل موضع لكان عكسًا على ما قدمناه.
فإذا زال في بعض المواضع بزوالها وثبت في بعض المواضع مع تعذر زوالها، كان ذلك تأثيرًا. بمعنى أن لهذه العلة تأثيرًا في ذلك الحكم، إذ قد يزول في بعض المواضع بزوالها.
فإذا وجد بوجودها [و] لم يعدم في موضع من المواضع لعدمها، فقد عدم فيها العكس والتأثير، وذلك مفسد لها عند كثير من أهل القياس. ومنهم من قال إن ذلك لا يفسدها إذا دلَّ على صحتها دليل عند عدم التأثير. وقد بينت ذلك في نفس الكتاب.
ومثل ذلك قول المالكيين إن الحلي المتخذ للبس ليس فيه زكاة، لأنه مستعمل للبس في ابتذال مباح، فلم تجب فيه زكاة، أصل ذلك الثياب.
فيقول الحنفي: لا تأثير لهذه العلة في الأصل، لأن الثياب لا زكاة فيها، سواء استعملت في ابتذال مباح أو محرم.
فيقول المالكي: تأثيره في تقصير الصلاة. فإنها تقصر في السفر المباح، ولا تقصر في السفر المحرم.
وليس من شرط الأقيسة الشرعية أن تنعكس، لأن عللها مخالف بعضها بعضًا. ولذلك نقول إن الإحرام عليه يمنع الوطء، والحيض يمنع الوطء، فيقال إن الحائض المحرمة لا يحل وطؤها. ثم قد تزول إحدى العلتين ويبقى التحريم ببقاء العلة الأخرى.
النقض: وجود العلة وعدم الحكم.
ومعنى ذلك أن يدعي القائس ثبوت الحكم لثبوت علة من العلل، فتوجد العلة مع عدم الحكم، فيكون نقضًا لها، ومبطلًا لدعوى من ادعى أنها جالبة للحكم.
مثال ذلك أن يستدل الحنفي على أن النجاسة تزول بغير الماء بأن الخل مزيل للعين والأثر، فوجب أن يطهر المحل النجس. أصل ذلك الماء.