بل نعلم ذلك من أنفسنا ضرورة إن علومنا تتعلق بما عُدم من غزوة بدر واحد، وظهور النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وكثير من الصحابة رضي اللَّه عنهم ممن وقع لنا العلم به من جهة الخبر المتواتر.
وإنما قلنا "على ما هو به" ولم نقل على صفته, لأن ما يحتمل الصفة لا يكون إلا موجودًا، فكان ذلك أَيضًا يخرج المعدوم عن أن يكون معلومًا.
وإنما قلنا "معرفة المعلوم على ما هو به" ولم نقل اعتقاده على ما هو به, لأن الاعتقاد ليس بعلم، ولا من جنسه، ولذلك نجد كثيرًا من أهل الكفر والضلال يعتقدون الشيء على خلاف ما هو عليه من الإلحاد والاتحاد والتثليث، وليس شيء من ذلك يعلم, لأن العلم لا يتعلق بالمعلوم إلا على ما هو به، والاعتقاد يتعلق بالمُعْتَقَدِ على ما هو به وعلى ضد ذلك وخلافه. واللَّه أعلم.
العلم الضروري: ما لزم نفس المخلوق لزومًا لا يمكنه الانفكاك منه ولا الخروج عنه.
وصفُ هذا العلم بأنه ضروري معناه أنه يوجد بالعالِمِ دون اختياره ولا قصده.
ويوصف الإنسان بأنه مضطر إلى الشيء على وجهين:
أحدهما: أن يوجد به دون قصده. كما يوجد به العمى والخرس والصحة والمرض وسائر المعاني الموجودة به وليست بموقوفة على اختياره وقصده.
والثاني: ما يوجد به بقصده، وإن لم يكن مختارًا له، من قولهم اضطر فلان إلى أكل الميتة وإلى تكفف الناس. وإن كان الأكل إنما يوجد به بقصده.
ووصفنا للعلم بأنه "ضروري" من القسم الأول, لأن وجوده بالعالِمِ ليس بموقوف على قصده.
وقلنا في الحد "ما لزم نفس المخلوق" احترازًا من علم الباري تعالى، فإنَّه ليس بضرورة.
والعلم الضروري يقع من ستة أوجه: الحواس الخمس. وهي حاسة البصر وحاسة السمع وحاسة الشم وحاسة الذوق وحاسة اللمس.
والحاسة على الحقيقة التي يتعلق بها وقوع هذا العلم إنما هو المعنى الموجود بهذه الأجسام دون الأجساد.