والبصر يختص بمعنى تدرك به الأجسام والألوان والأكوان، وهي الحركة والسكون. وحاسة السمع تختص بإدراك الأصوات. وحاسة الشم تختص بإدراك الروائح. وحاسة الذوق تختص بإدراك الطعوم. ولكل واحد من هذه المعاني اختصاص بعضو من الأعضاء، وأما حاسة اللمس فموجودة لكل عضو فيه حياة، وتختص بإدراك الحرارة والرطوبة واليبوسة. وعند بعض العلماء بالصلابة والرخاوة. وهذا كله يجري العادة، وقد يصح مع خرق العادات وجود تعلق كل معنى من تلك المعاني بغير ما شاهد تعلقه به الآن.
وقد يقع العلم الضروري بالخبر المتواتر. وله اختصاص بالسمع بحسب ما تقدّم.
ويقع العلم الضروري ابتداءً من غير إدراك حاسة من الحواس. كعلم الإنسان بصحته وسقمه وفرحه وحزنه وغير ذلك من أحواله، وعلمه بأن الاثنين أكثر من الواحد، وأن الضدين لا يجتمعان وغير ذلك من المعاني.
والعلم النظري: ما احتاج إلى تقدم النظر والاستدلال ووقع عقيبه بغير فصل.
قولنا "نظري" يقتضي اختصاصه بالنظر والاستدلال، وأنه لا يوجد إلا به. وفي ذلك احتراز من العلم الضروري, لأنه لا يحتاج إلى تقدم نظر واستدلال، واحتراز من علم الباري تبارك وتعالى، فإنه لا يحتاج إلى نظر واستدلال.
وقولنا "ووقع عقيبه بغير فصل" على قول القاضي أبي بكر في قوله إن العلم النظري إنما يقع بعد كمال النظر والاستدلال.
وذهب الشيخ أبو عبد اللَّه بن مجاهد إلى خلاف ذلك، أو أنه يقع مع النظر والاستدلال، وأنه كما وقع جزء من النظر وقع جزء من العلم حتى يكمل النظر، فيكمل بكماله العلم.
والاعتقال: تيقن المعتقد من غير علم.
ومعنى ذلك أن يتيقن بغير العلم. لأن العلم يتضمن التيقن، ومن علم شيئًا تيقنه، وقد يتيقن المتيقن بغير علم، وهذا هو الاعتقاد.
والذي يتميز به اليقين من العلم أن المعتقد يتيقن الشيء وهو على خلاف ما يعتقده، ومحال أن يعلم الشيء، ولا يكون على ما يعلمه.