وهذا أيضًا ليس بالبيّن، لأن القضاء مما يجب عند محققي أصحابنا بأمر ثان، واختلاف العبادات في مقادير المأثم بتركها لا يفرق بينها في معنى الوجوب.
والصواب أن الواجب والفرض سواء، وربما كان الواجب أثبت في ذلك، لأن الواجب من وجب الحائط إذا سقط، فكأن هذه العبادة قد سقطت على المكلف سقوطًا يلزمه ولا يمكنه الفرار عنها ولا المخلص منها إلا بأدائها. والفرض لفظ مشترك بين التقدير واللزوم. وعلى هذا محققو أصحابنا وغيرهم.
المندوب إليه: هو المأمور به الذي في فعله ثواب، وليس في تركه عقاب من حيث هو تَرْك له على وجه ما.
قولنا:"هو المأمور به" وصفناه بذلك لمخالفة من خالف فيه بقوله: إنه ليس بمأمور به. ولأن هذه الصفة تتميز به منه لقولنا:"في فعله ثواب" هذه الصفة مؤكدة لذلك.
المباح: ما ثبت من جهة الشرع أن لا ثواب في فعله ولا عقاب في تركه من حيث هو تَرْك له على وجه ما.
قولنا:"ما ثبت من جهة الشرع" مبني على ما ذهب إليه أهل الحق من أن الإباحة والحظر والوجوب أحكام شرعية، ليس للعقل فيها مجال، ولا لثبوتها تعلق به، وإنما ذلك بحسب ما ورد به الشرع.
ولذلك قلنا إن المباح ما عُلمت بالشرع صفاته التي هو عليها من "أن لا ثواب في فعله" وبهذا يتميز من الواجب والمندوب إليه، لأن في فعلهما ثوابًا، ويشارك المندوب إليه في أن لا عقاب في تركه، وبذلك يتميزان من الواجب.
وقلنا:"من حيث هو ترك له" نريد إذا ترك المباح من الجلوس إلى مشي أو وقوف مباح فلا إثم عليه. ولو تركه إلى قربة لكان في تركه ثواب من حيث فعل القربة لا من حيث ترك المباح. ولو تركه إلى الشيء في معصية لكان في مشيه عقاب لا من حيث ترك الجلوس المباح، ولكن من حيث فعل المشي المحظور. واللَّه أعلم.
السنة: ما رسم ليحتذى.
هذا أصل موضوع هذه اللفظة. ولذلك يقال سنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمعنى أنه ما رسمه.