وقد اختلفت تأويلات أصحابنا في الاستحسان، فذهب محمد بن خويز منداد إلى أنه الأخذ بأقوى الدليلين. ومعنى ذلك أن يتعارض دليلان فيأخذ بأقوى الدليلين. ومعنى ذلك أن يتعارض دليلان فيأخذ بأصحهما وأقواهما تعلقًا بالمدلول عليه.
وهذا ليس في الاستحسان بسبيل، وإنما هو الأخذ بما ترجح من الدليلين المتعارضين.
وقد عبر بعض أصحابنا عنه بأنه معنى تخصيص العام من المعاني. وذلك مثل أن يرد الشرع بالمنع من بيع الرطب بالتمر، ويطرد هذا حيث وجد من بابه، ثم يرد الشرع بجواز بيع ثمرة العرية بخرصها من التمر إلى الجداد. فلا يكون هذا موضع الاستحسان، وإنما هو من باب بناء العام على الخاص، والحكم بالخاص والقضاء به على ما قابله من العام.
قال أبو الوليد رضي اللَّه عنه: والذي عندي أن الاستحسان الذي يتكرر ذكره ويكثر على وجهين:
أحدهما: ترك القياس والعدول عنه: لما يعتقده القائس في الفرع أنه أضعف في تعلقه بالحكم من الأصل. فيعدل لذلك عن إلحاقه به لمعنى يختص به من علة واقفه تضاد القياس. ولو قوي الفرع قوة الأصل في حكمه لكان قياسه عليه أولى من تعلقه بالعلة الواقفة.
ممن تعلق بهذا أو سماه استحسانًا، فهو قياس، والقياس الذي يخالف هذا باطل، وإنما يخالف هذا في العبارة.
ومن ذلك أن يرى أن طرد القياس يؤدي إلى غلو ومبالغة في الحكم، ويستحسن في بعض المواضع مخالفة القياس لمعنى يختص به ذلك الوضع من تخفيف أو مقارنة. وهذا كثيرًا ما يستعمله أشهب وأصبغ وابن المواز. وقد قال أشهب في الرجل يشتري سلعة بالخيار فيموت، فيختلف ورثته في الخيار، فيريد بعضهم الإجازة وبعضهم الرد: إن حكمهم أن يجيزوا كلهم أو يردوا. لأن موروثهم لم يكن له إجازة البعض ورد البعض. واستحسن لمن أجاز منهم أن يأخذ حصة من لم يجز. وأما في النظر فليس لهم إلا أن يأخذوا جميعًا أو يردوا جميعًا. وهذا الاستحسان ينفيه نفاة الاستحسان وينكرونه. والواجب فيما لا نص فيه ولا إجماع إتباع مقتضى الأدلة