واعلم أنّ المصنف ذكرها في النوع الثالث، مع أن معناها أكثر من الثالث لأن ما وجد من المعنى الذي غير ما ذكره المصنف، فراجع إلى كونها جارة.
والثاني: أن تكون حرف عطف تفيد الجمع المطلق كالواو. وهذه العبارة تُشعِرُ ظاهرًا أنَّ حتى كالواو في الجمع لا ترتيب فيها، كما زعم بعض النحاة، لكن الحق أن يكون فيها جمع وترتيب ومهملة [متوسطة] بين الفاء وثمّ، لكن المهملة المعتبرة فيها بحسب الذهن، فإن المناسب في: مات الناس حتى الأنبياء، بحسب الذهن أن تعلق الموت أولًا بغير الأنبياء، وتعلق بالأنبياء بعد التعلق بهم، وإن كان موت الأنبياء في أثناء سائر الناس بحسب الخارج بخلاف ثم، فإن المهملة المعتبرة فيها بحسب الخارج نحو جاءني زيد ثم عمرو: إلا أن المعطوف بها أي بحتى مشروط بأمرين.
هذا تفريق بين الواو وحتى العاطفة بعد اشتراكهما في الجمع، أي: يُفَرق بين حتى والواو من جهتين:
أحدها: أن يكون المعطوف بعضًا أي جزءًا من المعطوف عليه في الحقيقة. هذا هو المختار وإن قال بعضهم: أو بالتأويل نحو: ضربني السادات حتى عبيدهم، فإن العبيد صار كالجزء منهم بالمجاورة والاختلاط بهم.
والثاني: أن يكون غاية له في شيء، وزاد صاحب التسهيل قيدًا آخر، وهو مفيد احترازًا من نحو: صُمتُ الأيّام حتّى يومًا. لكن سائر النحاة لم يذكروه بناء على أن مثل هذا لا يتّصف بكونه غاية، فيخرج من لفظه للغاية نحو مات الناس حتى الأنبياءُ. لأن الأنبياء - (عليهم السلام) - غاية للناس، بالنسبة إلى كمالات نوعه، في شرف المقدار وهو ما يقدرُ [به] الشيء، أي يُعرف قدره، وإضافة الشرفِ إليه بمعنى مِنْ، ويجوز أن يكون بمعنى اللام.
وعكسِه بالجر: عطف على [شرف] أو عكس الشرف وهو الخساسة نحو: زارني الناسُ حَتى الحجّامُون، فإنهم غاية في خساسة المقدار.