ثالثًا: البعد -ما أمكن- عن الإكثار من أدوات الربط، وإذا كان لا بد منها فمن الضروري أن تكون في موضعها الصحيح، وأن تتوفر فيها دقة المعنى.
رابعًا: البعد عن الأنساق العامية في بناء الجملة، كالتراكيب المألوفة في لهجة الحديث اليومي مثل: الجمل المبتورة أو المترهلة، أو الناقصة فكثيرًا ما يحدد الموقف طبيعة الكلام الشفاهي، ويؤثر على طريقة الصياغة، فالنقص تكمله الإشارات أو قسمات الوجه وانفعالاته.
خامسًا: أن تتوفر فيها شروط الفصاحة التي أسهبت في الحديث عنها الكتب القديمة، وقد عقد ابن سنان الخفاجي١ لها فصلين كاملين استغرقا نحوًا من مائتي صفحة وقسمها إلى ما ينبغي أن يتوفر في اللفظة الواحدة، وما ينبغي أن يتوفر في التراكيب. وأهم الشروط التي أشار إلى وجوب توفرها في التراكيب: اجتناب تكرار الحروف المتقاربة في تأليف الكلام، وحسن التأليف في السمع بترادف الكلمات المختارة وتواترها، وهذا الشرط مرهون بذوق العصر الذي ألف فيه الكتاب، فلم يعد الترادف هدفًا في حد ذاته فيما يختص بالكتابة المعاصرة، ثم وضع الألفاظ مواضعها حقيقة أو مجازًا لاينكره الاستعمال ولا يبعد فهمه، فلا يكون هناك تقديم أو تأخير يفسد المعنى ويصرفه عن وجهه وإلا تقع الكلمة حشوًا، وهذا يتفق مع المزاج العصري في الإبداع حيث ينكر على الكاتب الترهل في لغته، وألا يكون الكلام شديد المداخلة يركب بعضه بعضًا -على حد تعبير ابن سنان الخفاجي- وهذه هي المعاظلة التي أشار إليه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين وصف زهير بن أبي سلمى بتجنبها فقال:"كان لا يعاظل بين الكلام" ومن المعاظلة قول أوس بن حجر:
وذات هدم عارٍ نواشرها ... تصمت بالماء تولبا جدعا
١ راجع ابن سنان الخفاجي، سر الفصاحة، دار الكتب العلمية، بيروت ١٩٨٢م من ص ٥٨ إلى ص ٢٣٤.