للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن القبائل البادية نفسها التي لم تستوطن الحواضر والقرى، ولم تنتصر أو تتهود، هذه القبائل كانت تتفاوت تفاوتًا كبيرًا في نظام حياتها، وطرق معيشتها وطبقتها الاجتماعية؛ وبحسبنا أن نشير إلى ما رُوِي عن عائشة، قالت: لما قدمنا المدينة نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقبل هدية من أعرابي، فجاءت أم سنبلة الأسلمية بلبن، فدخلت به علينا فأبينا نقبله؛ فنحن على ذلك إلى أن جاء رسول الله معه أبو بكر، فقال: ما هذا؟ فقلت: يا رسول الله هذه أم سنبلة أهدت لنا لبنًا، وكنت نهيتنا أن نقبل من أحد من الأعراب شيئًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوها، فإن أسلم ليسوا بأعراب هم أهل باديتنا، ونحن أهل قاريتهم، إذا دعوناهم أجابوا، وإن استنصرناهم نصرونا١.

وثمة نصان لا يقلان عن هذا النص وضوحًا وقيمة: أولهما ما ذكره عرام بن الأصبغ في حديثه عن السوارقية قال: "قرية غناء كثيرة الأهل" ثم قال: كان لبني سليم فيها "مزارع ونخيل كثيرة وفواكه من موز وتين ورمان وعنب وسفرجل وخوخ.. ولهم خيل وإبل وشاء كثير، وهم بادية، إلا من ولد بها فإنها ثابتون بها، والآخرون بادون حواليها ويميرون طريق الحجاز ونجد في طريقي الحاج"٢.

وثانيهما ما ذكره عرام أيضًا في حديثه عن قرية خيف سلام قال: " ... وفيه منبر وناس كثير من خزاعة، ومياهها فقر أيضًا، وباديتها قليلة، وهي: جشم وخزاعة وهذيل"٣.

فنحن نفهم من هذه النصوص الثلاثة المتقدمة أن المقصود بالبادية إنما هو


١ ابن سعد، الطبقات ٨: ٢١٥، والقارية: الحاضرة الجامعة.
٢ كتاب أسماء جبال تهامة وسكانها: ٦٥.
٣ المصدر السابق: ٣٥؛ والفقر: قني الماء، واحدها: فقير.

<<  <   >  >>