ظاهر القرية، أو ضاحيتها وما أحاط بها، وأن كثيرًا من القبائل كانوا يقطنون في هذه النوادي قريبين من الحواضر، مطيفين بها، متصلين بسكانها، فهم إذن غير تلك القبائل الموغلة في الصحراء، الضاربة في الفيافي، البعيدة عن العمران، الذين قست قلوبهم وغلظت أكبادهم فوصفهم القرآن الكريم بشدة الكفر والنفاق، هؤلاء هم الأعراب؛ أما القبائل القريبة من القرى، المطيفة بها "فليسوا بأعراب، هم أهل باديتنا ونحن أهل قاريتهم".
-٣-
ونحب أن نخلص من كل ما قدمنا من أمر عرب الجاهلية وبلادهم إلى أنهم لم يكونوا مجتمعًا واحدًا، بل كانوا طبقات اجتماعية مختلفة متباينة تمثل المجتمعات الإنسانية التي مرت بها البشرية في تاريخها الطويل.
وقد استبانت هذه الفروق الاجتماعية بين تلك المجتمعات منذ القدم لمن كتب عن العرب من مؤلفي اليونان والرومان. فهذا ديودوروس الصقلي -في القرن الأول قبل الميلاد- يفيض في حديثه عن الحضارة الزاهية التي قامت في بعض أنحاء الجزيرة العربية، ويصور لنا الحياة المترفة الراقية التي كان يحياها عرب اليمن؛ ثم يتحدث عن الأجزاء الداخلية المتوسطة في بلاد العرب فيقول: إنه "كان يقطنها جمهور كبير من العرب الرحل الذي اتخذوا لأنفسهم حياة الخيام، وكان لهم قطعان كثيرة من الأنعام، وينصبون مضاربهم في السهول الواسعة المنبسطة.." ثم يقول: "إن الأجزاء الباقية من بلاد العرب المتاخمة للبحر والتي تقع إلى الشمال من العربية السعيدة وتمتد حتى تجاور سورية، يقطنها جمهور من المزارعين والتجار على اختلاف أنواعهم، يبيعون ما عندهم ويبتاعون ما عند غيرهم في مواسم وأسواق تجارية ... وتتخلل هذه البلاد كثير من الأنهار، ويهطل عليها مطر غزير في