للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصيف، فيكون لهم بذلك موسمان زراعيان في السنة الواحدة"١.

وقد لحظ بعض الذين كتبوا في العصور الإسلامية عن العصر الجاهلي هذه الفروق في المجتمعات الجاهلية؛ فهم يقسمون عرب الجاهلية قسمين رئيسين: الملوك، وغير الملوك. ثم يقسمون غير الملوك قسمين رئيسيين: أهل مدر وأهل وبر، ويقسمون أهل المدر إلى زراع وتجار. قال ابن العبري٢ "وأما سائر عرب الجاهلية بعد الملوك فكانوا طبقتين: أهل مدر وأهل وبر. فأما أهل المدر فهم الحواضر وسكان القرى، وكانوا يحاولون المعيشة من الزرع والنخل والماشية والضرب في الأرض للتجارة. وأما أهل الوبر فهم قطان الصحاري وكانوا يعيشون من ألبان الإبل ولحومها، منتجعين منابت الكلإ، مرتادين لمواقع القطر، فيخيمون هنالك ما ساعدهم الخصب وأمكنهم الرعي، ثم يتوجهون لطلب العشب وابتغاء المياه، فلا يزالون في حل وترحال..".

-٤-

ولذلك كان من الإخلال الفاضح بالمنهج السديد أن يُنظر إلى العصر الجاهلي نظرة واحدة، وأن يُحكم عليه حكم عام مطلق، وأن يوصم عرب الجاهلية جميعًا بالبداوة والجهالة، فلا تُراعى هذه الفروق الواسعة في البيئات الاجتماعية المتباينة.

فإن صح أن بعض الأعراب في صحراوات الجزيرة كانوا في معزل عن العالم المتمدين آنذاك، فإنه من الصحيح كذلك أن بعض البيئات الاجتماعية الأخرى كانت متصلة بمعالم المدنية لذلك العهد، مواكبة لركب الحضارة.

والحضارة في العصر الجاهلي موضوع يحتاج إلى شيء من البحث المتعمق


١ Diodorus Siculus, London, William Heinemann ltd. Cambridge, Book ٢, P٥.٥٤
٢ مختصر الدول، ط. بيروت ص١٥٨، ١٥٩، وكذلك صاعد الأندلسي، طبقات الأمم ص٦٥، ٦٦.

<<  <   >  >>