للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن عجب أن يضع المسلمون الأولون شعرًا وينحلوه أبا بكر الصديق، حتى لقد روى الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: كذب من أخبركم أن أبا بكر قال بيت شعر في الإسلام:

ولعل من خير ما يدل على هذا الذي نذهب إليه بيتًا قاله مزرد بن ضرار في أبيات يصف فيها نفسه وشعره، قالها يرد على كعب بن زهير حين نظم كعب أبياته التي يقدم فيها نفسه والحطيئة: قال مزرد١:

وباستك إذا خلفتني خلف شاعر ... من الناس لم أكفي ولم أتنحل

فهو ينفي عن نفسه تنحل الشعر وانتحاله، أي ادعاءه إياه لنفسه وهو من كلام غيره.

ومما يدخل في هذا الباب أيضًا ما وصف به الفرزدق علقمة الفحل من أن شعره لا يستطيع أحد أن ينحله، فكأنه يقصد أن على شعره طابعه وميسمه فإذا ما ادعاه غيره عرف الناس أنه ليس لمن ادعاه وإنما هو لصاحبه علقمة؛ وذلك قول الفرزدق٢:

والفحل علقمة الذي كانت له ... حلل الملوك كلامه لا ينحل

-٢-

ولم يكن أمر الوضع والنحل في الشعر الجاهلي ليخفَى على الرواة العلماء، فلقد تنبه له كثيرون منهم، بل قلما نجد رواية عالمًا من القرن الثاني والقرن الثالث لا تذكر لنا الأخبار المروية عنه أنه نصَّ نصًّا صريحًا على أن بيتًا أو أبيات بعينها


١ ابن سلام: ٨٨.
٢ النقائض: ١: ٢٠٠.

<<  <   >  >>