للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يشكون شكًّا عميقًا أساسيًّا في الرواية العربية، ويذهبون إلى أن أكثرها موضوع زائف، وأنها تمثل الاتجاه الذي نما في القرنين الثاني والثالث الهجريين، حينما نسي العرب ما كانوا يذكرونه عن التاريخ الجاهلي، فحاول اللغويون والأخباريون أن يملئوا الفجوات وذلك بأن يضعوا وزيفوا ما لم يجدوه في الوثائق الأصلية الحقيقية. من أجل ذلك يرون أن الأدب التاريخي العربي ليس أوثق من القصص التاريخية، وأن أكثر الشعر موضوع، فليس من المستطاع اتخاذهما أساسًا سليمًا يُبنى عليه فهم صحيح لما كان يحدث في بلاد العرب في العصر الجاهلي.

وهذا الموقف المتشكك مبالغ فيه -في رأي كاتب هذه المقالة- فإن الرواية التاريخية عن بلاد العرب في عصورها الوسيطة "الجاهلية الأخيرة" ليست أوثق، ولا أضعف، من أية رواية أخرى عن أي عصر تاريخي يعوزنا فيه الدليل المباشر.

فهي ليست أضعف من ليفي Levi -مثلًا- عن القرون الخمسة الأولى من التاريخ الروماني، أو من ساكسو جراماتيكس عن العصر القديم في الدانيمرك.

بل إنها -من بعض الوجوه- خير منهما، بالرغم من أنها لا تخلو من الفجوات والأخطاء. وليس بين أيدينا كل ما كتب عن الجاهلية العربية في القرنين الثاني والثالث الهجريين، إذ أن مؤلفات كثيرة ضاعت، ولم يبق من بعض الكتب الأخرى غير قطع ومختارات ... وأهم من كل ذلك أن أكثر الرواية ذات جانب واحد، فبدلًا من أن ترمي الرواية التاريخية إلى التسجيل الشامل للماضي، أصبح لها ثلاثة أهداف: تقديم تفسير لإشارات تاريخية معينة في بعض سور القرآن، وشرح الحوادث التاريخية في الشعر القديم، وأخيرًا خدمة العزة القومية ومطالب أشراف الغرب ووضع أنساب واسعة لأكثر الأسر البارزة وذكر مفاخر قبائلهم.

والمثال يوضح نتائج هذه الطريقة التي نمت فيها الرواية. فقد كانت الخصومات القبلية التي تفوق الحصر هي العنصر الرئيسي في تاريخ الأعراب، ونحن نعرف منها عن قبيلة تميم أكثر جدًّا مما نعرفه عن غيرها من القبائل. والسبب الوحيد لذلك أن مصدرنا عن حروب تميم يرجع -كله تقريبًا- إلى شروح وافية كتبها

<<  <   >  >>