وقد يكون ما استجد في حياة الكوفة مما لم يجدوا له ذكرًا أو أصلًا في الحديث حافزًا لهم على الوضع أو التزيد رغبة في أن يدعموا رأيهم بحديث نبوي؛ ولكن أغلب ما أنكره أهل المدينة على أهل الكوفة مرده إلى أن بعض التابعين وتابعي التابعين في الكوفة قد أخذوا الأحاديث عن الصحابة الذين نزلوا الكوفة، فكان هؤلاء الصحابة يحدثون بأحاديث لم يسمع بعضها علماء المدينة ممن كان فيها من الصحابة فجهلوها. وليس كل ما كان يحدث به صحابي بل يحدث به غيره، بل إن بعض الصحابة كان يحدث بحديث نسخه حديث آخر لم يبلغه غيره من الصحابة١. فلم يكن مرد اتهام الكوفيين بالوضع إلى أنهم وضعوا كل ما اتُّهموا به، ولم يكن مرده كله إلى عصبية أهل الحديث لمدرستهم على مدرسة الرأي، وإنما كان بعض هذا الاتهام مرده إلى أنهم وضعوا حقًّا، وكان مرد بعضه إلى العصبية، ثم كان مرد بعضه الآخر إلى اختلاف مصادر الرواية، أي اختلاف الصحابة الذين أخذ عنهم علماء كل مدرسة من التابعين وتابعيهم.
أما في اللغة والنحو فقد كانت البصرة أسبق إلى العناية بهما ثم تبعتها الكوفة، فقامت في المصرين مدرستان متمايزتان: مدرسة البصرة، ومدرسة الكوفة. "وربما كان أهم الفروق الأساسية بين المدرستين أن مدرسة البصرة رأت أن أهم غرض وضع قواعد عامة للغة ... تلتزمها وتريد أن تسير عليها في دقة وحزم؛ وإذ كانت اللغات لا تلتزم القواعد العامة دائمًا بل فيها مسائل لا يمكن أن تجري على القاعدة، وخصوصًا اللغة العربية التي هي لغات قبائل متعددة تختلف فيما بينها اختلافًا كبيرًا ... أراد البصريون تمشيًا مع غرضهم أن يهدروا الشواذ، فإذا ثبتت صحتها قالوا إنها تحفظ ولا يقاس عليها. بل جرءوا على أكثر من ذلك فخطئوا بعض العرب في أقوالهم إذا لم تجر على القواعد ... فهم في الواقع أرادوا أن ينظموا اللغة بإهدار بعضها، وأرادوا أن يكون ما سمع من العرب مخالفًا لهذا