للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التنظيم مسائل شخصية جزئية يتسامحون فيها نفسها ولا يتسامحون في مثلها والقياس عليها حتى لا تكثر فتفسد القواعد والتنظيم، هذا إذا لم يتمكنوا من أن يؤولوا الشاذ تأويلًا يتفق وقواعدهم ولو بنوع تكلف. أما الكوفيون فلم يروا هذا المسلك، ورأوا أن يحترموا كل ما جاء عن العرب، ويجيزوا للناس أن يستعملوا استعمالهم، ولو كان الاستعمال لا ينطبق على القواعد العامة، بل يجعلون هذا الشذوذ أساسًا لوضع قاعدة عامة ... فهم أكثر تجويزًا للوجوه المختلفة في المسائل ... ١.

وكان من أثر هذا الخلاف في المنهجين أن تعصب كل فريق لمدرسته، وأخذ يتهم ويضعف علماء المدرسة الأخرى، وخاصة البصريين الذين كانوا يرون أنهم أخذوا اللغة عن العرب الخلص وأن الكوفيين أخذوها عن الأعراب الذين فسدت لغتهم وسيلقتهم. قال الرياشي-وهو بصري٢-: "إنما أخذنا اللغة من حرشة الضباب وأكلة اليرابيع، وهؤلاء أخذوا اللغة من أهل السواد أكلة الكواميخ والشواريز". وافتخر البصريون بأنهم لم يأخذوا عن الكوفيين في هذا الميدان شيئًا، وأن الكوفيين هم الذين كانوا يأخذون عن البصريين، فقال أبو سعيد٣:

"لا أعلم أحدًا من علماء البصريين في النحو واللغة أخذ عن أهل الكوفة شيئًا من علم العرب إلا أبا زيد فإنه روى عن المفضل الضبي.."، وقال أبو زيد٤:

"قدم الكسائي البصرة فأخذ عن أبي عمرو ويونس وعيسى بن عمر علمًا كثيرًا صحيحًا، ثم خرج إلى بغداد فقد أعراب الحطمة فأخذ عنهم شيئًا فاسدًا فخلط هذا بذاك فأفسده ... ". وقال أبو الطيب اللغوي٥: "وكذلك أهل الكوفة كلهم يأخذون عن البصريين ولكن أهل البصرة يمتنعون عنهم لأنهم لا يرون الأعراب الذين يحكون عنهم حجة". وربما كان من أوضح الأمثلة التي تدل


١ ضحى الإسلام ٢: ٢٩٤-٢٩٥. وانظر أيضًا كتاب "العربية" ليوهان فك، ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار ص٦١-٦٣.
٢ ابن النديم، الفهرست: ٨٦.
٣ المصدر السابق: ٨١.
٤ السيرافي، أخبار النحويين البصريين: ٥٦.
٥ مراتب النحويين، ورقة: ١٤٦.

<<  <   >  >>