للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على مدى ما جرت إليه هذه المنافسة بين المدرستين من خصومات واتهامات ما قاله أبو حاتم السجستاني١: "لم يكن لجميع الكوفيين عالم بالقرآن ولا كلام العرب، ولولا أن الكسائي دنا من الخلفاء فرفعوا من ذكره لم يكن شيئًا، وعلمه مختلط بلا حجج، ولا يملك إلا حكايات عن الأعراب مطروحة لأنه كان يلقنهم ما يريد، وهو على ذلك أعلم الكوفيين بالعربية والقرآن، وهو قدوتهم وإليه يرجعون.." وقال أبو حاتم أيضًا٢: "فإذا فسرت حروف القرآن المختلف فيها، أو حكيت عن العرب شيئًا فإنما أحكيه عن الثقات عنهم مثل أبي زيد والأصمعي وأبي عبيدة ويونس وثقات من فصحاء الأعراب وحملة العلم، ولا ألتفت إلى رواية الكسائي والأحمري والأموي والفراء ونحوهم، وأعوذ بالله من شرهم!! ".

وقد بادلهم الكوفيون اتهامًا باتهام وخصومة بخصومة، فمن أمثلة ذلك أنه "لما مات المازني خلفه أبو العباس المبرد، وبقي ذلك ببغداد وسامرا لا يغض أحد منه إلى أن ذكره ابن الأنباري في بعض مصنفاته، وأراد أن يضع منه، ويرفع من صاحبه أبي العباس، أحمد بن يحيى ثعلب، جاريًا على عادته في العصبية للكوفيين على البصريين"٣. ومن ذلك أيضًا أن ابن الأعرابي الكوفي "كان يزعم أن الأصمعي وأبا عبيدة لا يحسنان قليلًا ولا كثيرًا"٤، وأنه كان يقول في كلمة رواها الأصمعي "سمعت من ألف أعرابي خلاف ما قاله الأصمعي"٥.

وقال ثعلب "انتهى علم اللغة والحفظ إلى ابن الأعرابي" ... والشواهد على ذلك كثيرة وكلها تكشف عن مدى ما قادت إليه هذه الخصومة المنهجية من تبادل الاتهام والتضعيف.

ويعنينا من كل ذلك الأمران اللذان أشرنا إليهما عند حديثنا عن الحديث والفقه، وأولهما: أن الكوفيين أكثر حرية في منهجهم وأكثر جرأة حيث يتقيد


١ مراتب النحويين: ١٢١.
٢ المصدر السابق: ١٤٧.
٣ ياقوت، إرشاد ٥: ١١٥.
٤ المصدر السابق ١٨: ١٩٠.
٥ المصدر السابق ١٨: ١٩٠.

<<  <   >  >>