للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تناقض ثالث: فقد مر بنا أن حمادًا اتهم بأنه -لكثرة علمه بلغات العرب وشعرهم ومذاهب الشعراء ومعانيهم- كان ينظم الشعر يشبه به مذهب رجل ويدخله في شعره ويحمل عنه ذلك في الآفاق. ولكن هذا الخبر يصور لنا حمادًا ثقة فيما يروي لأن خلفًا يعترف بأنه كان يأخذ منه الصحيح من أشعار العرب؛ ثم إنه يصور لنا حمادًا في صورة الجاهل الأحمق الذي يستجهله حتى تلميذه فيعطيه المنحول من الشعر فيقبله ويجوز عليه!

فنحن إذن -بعد ما عرضنا هذه الأخبار وبينا ما فيها من زيف- نميل إلى أن نعد أكثر ما اتهم به حماد موضوعًا، دعت إلى وضعه عوامل عدة منها: هذه العصبية التي كانت متأججة بين البصرة والكوفة؛ ومنها: تلك المنافسات والخصومات الشخصية كالتي كانت بين المفضل وحماد؛ ومنها: العصبية السياسية، فقد كان حماد أموي الهوى والنزعة، وكانت دولة بني أمية قد ولت وأقبلت دولة جديدة تناصبها العداء وتريد أن تمحو محاسنها وآثارها وتحط من قيمة من اشتهر فيها أو نال لديها حظوة؛ ومنها أن حمادًا كان -باعتراف الرواة- كثير الرواية واسع الحفظ١: فكان يروي ما لا يعرفه غيره، ويحفظ ما لا يحفظون، فاتهموه بالتزيد والوضع. وقد ساعد على كيل هذا الاتهام له وتضعيفه وتجريحه أنه كان ماجنًا مستهترًا بالشراب مفضوح الحال٢.


١ انظر لذلك الأغاني ٦: ٧١، ٩٢-٩٤.
٢ انظر المصدر السابق ٦: ٨٠، ٨٤.

<<  <   >  >>