ولكن الروايات والأخبار التي بين أيدينا لا تقتصر على اتهام حماد الكوفي، وإنما تتهم كذلك شيخًا من شيوخ البصرة المقدمين، ورأسًا من رءوس الرواية فيها، هو خلف الأحمر. وسنعرض هذه الأخبار والروايات في سمطين: ينتظم أولهما الأخبار التي تتهمه بالوضع والنحل، وينتظم ثانيهما الأخبار التي توثقه وتعدله. ثم نعقب عليهما بمناقشة الأخبار الأولى ونقدها.
١- الأخبار التي تتهمه بالوضع والنحل:
أ- قال محمد بن يزيد "المبرد"١: "كان خلف أخذ النحو عن عيسى بن عمر، وأخذ اللغة عن أبي عمرو، ولم يُرَ أحد قط أعلم بالشعر والشعراء منه، وكان به يضرب المثل في عمل الشعر؛ وكان يعمل على ألسنة الناس فيشبه كل شعر يقوله بشعر الذي يضعه عليه؛ ثم نسك فكان يختم القرآن في كل يوم وليلة؛ وبذل له بعض الملوك مالًا عظيمًا خطيرًا على أن يتكلم في بيت شعر شكوا فيه فأبى ذلك، وقال: قد مضى لي في هذا ما لا أحتاج إلى أن أزيد فيه. وعليه قرأ أهل الكوفة أشعارهم، وكانوا يقصدونه لما مات حماد الراوية لأنه كان قد أكثر الأخذ عنه، وبلغ مبلغًا لم يقاربه حماد، فلما تقرأ ونسك خرج إلى أهل الكوفة، فعرَّفهم الأشعار التي قد أدخلها في أشعار الناس، فقالوا له: أنت كنت عندنا في ذلك الوقت أوثق منك الساعة. فبقي ذلك في دواوينهم إلى اليوم.