بها، وبرئ إلى الله منه لمكانها. ولعل أكثر ما يرمى بسقطة في رواية، أو غمزة في حكاية، محمي جانب الصدق فيها، بريء عند الله من تبعتها؛ لكن أخذت عنه إما لاعتنان شبهة عرضت له، أو لمن أخذ عنه، وإما لأن ثالبه ومتعيبه مقصر عن مغزاه، مغضوض الطرف دون مداه؛ وقد عرض الشبهة للفريقين، ويعترض على كلا الطريقين. فلولا أن هذا العلم في نفوس أهله والمتفيئين بظله كريم الطرفين ... لما تسابوا بالهجنة فيه، ولا تنابزوا بالألقاب في تحصين فروجه ونواحيه ... وإذا كانت هذه المناقضات والمنافسات موجودة بين السلف القديم ... ثم لم يكن ذلك قادحًا فيما تنازعوا فيه، ولا عائدًا بطرف من أطراف التبعة عليه جاز مثل ذلك أيضًا في علم العرب الذي لا يخلص جميعه للدين خلوص الكلام والفقه له، ولا يكاد يعدم أهله الأنس به والارتياح لمحاسنه".
-٤-
ومع ذلك كله فنحن لا نذهب -ولا يصح لأحد أن يذهب- إلى أن جميع ما في تضاعيف الكتب العربية من شعر منسوب إلى الجاهلية صحيح مبرأ من الوضع والنحل، ولكننا أردنا في حديثنا الذي قدمناه أن نفحص مواطئ أقدامنا حتى نمضي في يقين وثقة، ونصدر عن بصيرة وهدى، وأن نضع في الطريق أعلامًا، حتى لا نضل فيها ولا تعمى علينا معالمها. وقد قادنا البحث إلى أن هذا الشعر المنسوب إلى الجاهلية على ثلاثة أضرب:
١- فضرب موضوع منحول، إما على وجه اليقين القاطع وإما على وجه الترجيح الغالب. وأكثر شعر هذا الضرب ما وضعه القصاص ليحلوا به قصصهم، أو يكسبوه في نفوس السامعين والقارئين شيئًا من الثقة، وما وضعه هؤلاء القصاص على لسان آدم وغيره من الأنبياء أو على لسان بعض العرب البائدة، وما وضعه.