للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعض الرواة ليثبتوا به نسبًا أو يدلوا به على أن لبعض العرب قدمة وسابقة. وقد أشرنا إلى بعض هذا الحديث في فصل مضى، وأشار إليه غيرنا في مواطن متفرقة، بحيث لا نحتاج إلى إعادة القول فيه؛ إذ أننا نراه أيسر هذه الضروب الثلاثة وأهونها لسهولة انكشافه ويسر افتضاحه، بحيث لا يكاد يعمى على أحد.

٢- وضرب صحيح لا سبيل إلى الشك فيه أو الطعن عليه. وذلك هو الذي أجمع العلماء الرواة على إثباته بعد أن تدارسوا هذا الشعر وفحصوه ومحصوه. وقد مر بنا أن القدماء كانوا يميزون الراوية من العالم بالرواية والشعر، فيأخذون قول الأول في حذر واحتياط، ولا يقبلون منه إلا ما يطمئنون إلى صحته، ثم يأخذون قول الثاني واثقين مطمئنين إلا أن يظهر لهم من وجوه النقد ما يضعف من ثقتهم واطمئنانهم. وقد فصلنا القول في أمر هؤلاء العلماء بالرواية والشعر، وكيف كانوا -على اختلاف مدارسهم- يجدون في الجمع والاستقصاء، ثم في البحث والتمحيص حتى يميزوا الموضوع من الصحيح، فلا يحفلوا بالموضوع ويسقطوه من مروياتهم وكتبهم، أو يثبتوه وينبهوا عليه. ويحسن بنا أن نذكر بثلاثة أخبار كنا قد قدمناها شاهدة على ما نقول. الأول: أن خلفًا الأحمر كان رأسًا من رءوس الرواية، أخذ عنه البصريون جميعًا، وكان من هؤلاء العلماء الذين لا يقبلون من الشعر إلا ما ميزوا صحته، ولا يروون منه إلا ما اطمأنوا إلى أنه غير موضوع؛ حتى لقد جاءه يومًا خلاد بن يزيد الباهلي، وكان خلاد حسن العلم بالشعر يرويه ويقوله، فقال له: "بأي شيء ترد هذه الأشعار التي تُروى؟ قال له: هل فيها ما تعلم أنت أنه مصنوع لا خير فيه؟ قال: نعم. قال: أفتعلم في الناس من هو أعلم بالشعر منك؟ قال: نعم. قال: فلا تنكر أن يعلموا من ذلك أكثر مما تعلمه أنت"١ وحتى لقد قال له قائل يومًا٢ "إذا سمعت أنا بالشعر أستحسنه فما أبالي ما قلت فيه أنت وأصحابك. قال له:


١ ابن سلام، طبقات فحول الشعراء: ٨.
٢ المصدر السابق: ٨.

<<  <   >  >>