للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-حين نتعمق بالبحث ونستقصيه- لا نلبث أن نكشف أنه كانت بين أيديهم ثلاثة مقاييس:

أ- ذوقهم الشعري الذي اكتسبوه عن علم ودراية بعد طول معاناة ودرس لهذا الشعر، شأنهم في ذلك شأن الصراف الذي أشار إليه خلف، والذي لا يكاد الدرهم يقع بين يديه حتى يميزه لكثرة ما مرن على هذا الضرب من المعاناة والمعرفة.

ولكنهم لم يكونوا يستخدمون هذا المقياس وحده، وإنما كانوا يدعمونه ويقوونه بأحد المقياسين التاليين.

ب- إجماع الرواة: ولكن هل وقع هذا الإجماع في شيء من الشعر الجاهلي؟ أجل، لقد وقع في كثير منه ولم يختلفوا إلا في بعضه، وقد بينا طرفًا من ذلك فيما مضى، وسنبين طرفًا آخر منه في هذا الفصل وما سيتلوه من فصول. ويتبين لنا مدى إجلالهم لإجماع الرواة في مثل قول ابن سلام١ "وقد اختلفت العلماء في بعض الشعر كما اختلفت في بعض الأشياء، أما ما اتفقوا عليه، فليس لأحد أن يخرج منه" وقوله في إجماعهم على الموضوع من الشعر٢ "وليس لأحد -إذا أجمع أهل العلم والرواية الصحيحة على إبطال شيء منه- أن يقبل من صحيفة ولا يروي عن صحفي". ومن هنا أوردوا ما أجمع عليه العلماء على أنه صحيح لا سبيل إلى الطعن فيه، فقال ابن سلام٣ "وأجمع الناس على أن الزبير بن عبد المطلب شاعر، والحاصل من شعره قليل، فمما صح عنه قوله: ... "وأورد الواقدي أبياتًا بعد أن قال٤ "وهي ثبت لم أر أحدًا يدفعها". وأورد رجزًا في موطن آخر وقال٥: "ما رأيت من أصحابنا أحدًا يدفعه". وإجماع الرواة الثقات هو الذي ذكره


١ طبقات الشعراء: ٦.
٢ المصدر السابق: ٦.
٣ المصدر السابق: ٢٠٥.
٤ المغازي: ١٥٠.
٥ المصدر السابق: ٢٧٧.

<<  <   >  >>