للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجاحظ في قوله١: "فالعلماء الذين اتسعوا في علم العرب، حتى صاروا إذا أخبروا عنهم بخبر كانوا الثقات فيما بيننا وبينهم، هم الذين نقلوا إلينا.

وسواء علينا جعلوه كلامًا وحديثًا منثورًا، أو جعلوه رجزًا أو قصيدًا موزونًا".

جـ- والمقياس الثالث الذي كان يعتمد عليه العلماء في القرنين الثالث والرابع ويزنون به هو: وجود الشعر في ديوان الشاعر أو ديوان القبيلة، فقد دون هذه الدواوين الثقات من العلماء الرواة، ولذلك قبلوا ما جاء فيها حين يجيء في صورة اليقين والقطع، وأما ما ذكره هؤلاء العلماء أنفسهم في تلك الدواوين على أنه مما يُشك فيه أو يتوقف عنده، فقد كانوا ينقلونه كما ذكروه بألفاظهم، وقد يبيحون لأنفسهم بحثه والنظر فيه. ومما يدل على مدى ثقتهم بما دونه العلماء في الدواوين الشعرية أن أبا الفرج ذكر شعرًا لامرئ القيس وقال٢: "وهي قصيدة طويلة وأظنها منحولة" ثم قدم لظنه هذا بسببين الأول: "لأنها لا تشاكل كلام امرئ القيس"، وهو نقد داخلي، والثاني: لأنه "ما دونها في ديوانه أحد من الثقات"، وهو هذا النقد الخارجي الذي نحن بسبيله، وكذلك أورد أبو الفرج أشعارًا لدريد بن الصمة رواها ابن الكلبي، ثم قال أبو الفرج إنها "موضوعة كلها"، واستدل على ذلك بقوله٣: "ما رأيت شيئًا منها في ديوان دريد بن الصمة على سائر الروايات". وأورد الآمدي أبياتًا نسبها إلى امرئ القيس بن مالك الحميري، ثم قال٤: "وهي أبيات تُروَى لامرئ القيس بن حجر الكندي، وذلك باطل، إنما هي لامرئ القيس هذا الحميري"، ثم يقدم على ذلك دليله وهو أن هذه الأبيات مذكورة في ديوان القبيلة، قال: "وهي ثابتة في أشعار حمير".


١ الحيوان ٤: ١٨٤.
٢ الأغاني ٩: ٩٧.
٣ المصدر السابق ١٠: ٤٠.
٤ المؤتلف والمختلف: ١٢.

<<  <   >  >>