للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا ما استخدم العلماء هذه المقاييس الثلاثة، أو اكتفوا ببعضها -وكثيرًا ما يكون الثاني أو الثالث- اطمأنوا إلى ما يوردون، وثبتت عندهم صحته وقدمه.

فمن ذلك أنك ترى أبا عبيدة يورد شعرًا جاهليًّا ويصفه بقوله إنه١ "الشعر الثابت الذي لا يُرَدُّ". ومن ذلك أيضًا أن الواقدي يورد شعرًا لحسان ويصفه بقوله٢: "ثبت قديمه". وأن الجاحظ يطمئن إلى أنه يستشهد على بعض الأخبار "بالشاهد الصادق"٣ و"بالأشعار الصحيحة"٤، ويصف بعض ما يذكر من أشعار العرب وأخبارهم بأنها "أشعارهم المعروفة وأخبارهم الصحيحة"٥.

٣- وأما الضرب الثالث من ضروب الشعر الجاهلي، فهو المختلف عليه، الذي قال عنه ابن سلام "وقد اختلفت العلماء في بعض الشعر، كما اختلفت في بعض الأشياء". وفي هذا الضرب الثالث نقاط ينبغي أن ننبه عليها لنحيط بالموضوع من أطرافه.

أ- أولها أن هذا الضرب يبدو -للقارئ العابر للكتب العربية- عظيمًا كبير القدر، وذلك لكثرة ما يقرأ من النص على أن هذا البيت موضوع وأن تلك الأبيات منحولة، ولكثرة ما يمر به من اتهام للرواة بالوضع والكذب والتزيد.

ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها عند من ينعم النظر ويستقصي في البحث أن هذا الضرب ليس بالكثرة التي يبدو بها، وسيمر بنا في الباب التالي عند حديثنا عن الدواوين أن الراوية العالم من الطبقة الثانية أو الثالثة، يروي ديوان شاعر عن راويتين أو ثلاثة من الطبقة الأولى، فيورد كثيرًا من قصائد الديوان والإجماع منعقد على صحتها، ثم يشير في قصائد قليلة إلى أن هذه القصيدة قد رواها فلان.


١ النقائض: ٢٣٨.
٢ المغازي: ٢٨٢.
٣ البيان والتبيين ٢: ٤.
٤ الحيوان ٢: ١٠٧.
٥ المصدر السابق ٢: ٣٢٠.

<<  <   >  >>