للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يروها فلان، أو أن تلك القصيدة قد تُنسب إلى فلان وهو غير صاحب الديوان. وقد يجمع هذا الراوية -الذي قلنا إنه من الطبقة الثانية أو الثالثة- أبياتًا متفرقة ومقطعات صغيرة يضمها عنوان هو "المنحول من شعر فلان".

وهو يقصد بالمنحول ما لم يروه هؤلاء الرواة العلماء الذي رووا هذا الديوان.

فإذا ما أحصيت هذه الأبيات التي نص في تضاعيف الديوان أنها مما رواه فلان دون فلان، وضممت إليها ما جُمع في آخر الديوان بعنوان "المنحول من شعره" وجدتها كلها لا تكاد تعد شيئًا مذكورًا إذا قيست بالقصائد التي أجمع الرواة على صحتها، وسنبين تفصيل الأمر حينما نتحدث عن هذا الموضوع في حينه.

أما ما يمر به القارئ من كثرة الروايات التي ترمي الرواة بالوضع والكذب والتزيد، فقد تحدثنا عنها حديثًا مفصلًا. ولكننا نحب هنا أن نزيد أمرًا جديدًا، وهو أن هذا القدح وذلك التهجين لم يمنعا العلماء والرواة من الأخذ عن بعضهم، فكأنما كان المقصود بأكثر هذا القدح والتهجين النيل من الرواة أنفسهم -لأسباب قد بيناها- دون أن ينال ذلك مما يروون من شعر. وقد مر بنا طرف من اتهام البصريين للكوفيين وإسقاطهم روايتهم ورميهم بالكذب والوضع والنحل، ولكن ذلك لم يحل بين البصريين والأخذ عن الكوفيين بل إن رأسين من رءوس الرواية البصرية قد أخذوا عن أكثر الكوفيين حظًّا من الاتهام، ونقصد خلفًا الأحمر والأصمعي وأخذهما عن حماد الراوية -كما قدمنا- بل إن اتهام البصريين لخلف نفسه -وقد عرضنا هذا الاتهام وفندناه- لم يمنعهم من الأخذ عنه، ولم يحل دون أن يكون خلف "معلم أهل البصرة"! والأمثلة على ذلك كثيرة. ولكننا نحب أن نشير إلى مثل أخير يكشف لنا عن حقيقة هذا الاتهام، وكيف أن المقصود منه الزراية بالشخص نفسه والنيل منه في حياته للأسباب التي ذكرناها، حتى إذا مات، وانتفت تلك الأسباب، عاد الذي أزرى به ونال منه وهجنه، فإذا به يقر له بالعلم ويوثقه. فهذا أبو محمد يحيى بن مبارك اليزيدي يتعصب للبصريين على الكوفيين، وقد نظم قصيدة يمدح

<<  <   >  >>