للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبين بحثنا هذا، بل إن ثمة شيئًا آخر لا يقل عن سابقة في المباعدة بين هذا الكتاب وبين بحثنا، وهو صنيع أبي تمام فيما اختاره من تغيير للنص الشعري مما أوضحه المرزوقي في مقدمته، قال١: "وهذا الرجل لم يعمد من الشعراء إلى المشتهرين منهم دو الأغفال، ولا من الشعر إلى المتردد في الأفواه، المجيب لكل داع، فكان أمره أقرب؛ بل اعتسف في دواوين الشعراء جاهليهم ومخضرمهم وإسلاميهم ومولدهم، واختطف منها الأرواح دون الأشباح، واخترف الأثمار دون الأكمام، وجمع ما يوافق نظمه ويخالفه؛ لأن ضروب الاختيار لم تخف عليه، وطرق الإحسان والاستحسان لم تستتر عنه، حتى إنك تراه ينتهي إلى البيت الجيد فيه لفظة تشينه، فيجبر نقيصته من عنده، ويبدل الكلمة بأختها في نقده. وهذا يبين لمن رجع إلى دواوينهم، فقابل ما في اختياره بها".

من أجل هذا كله رأينا أننا لا نستطيع أن نتحدث عن الحماسة حديثًا يتصل بموضوعنا، فأوجزنا الكلام إيجازًا يغني عن التطويل، ويكفي لأن نصل به بعد قليل ما يدخل في بحثنا إلى الصميم.

وأما الجمهرة فتحتاج إلى بحث مستفيض قائم بذاته مستقل عن بحثنا هذا، فنسبتها إلى صاحبها عقدة تحتاج إلى حل، والتعريف بصاحبها وترجمته عقدة أخرى لا تقل عن الأولى، وأكثر الرواة الذين يروي عنهم مجاهيل لم نجد لهم ذكرًا فيما بين أيدينا من كتب الرجال والطبقات، وهي عقدة ثالثة تنافس في الصعوبة سابقتها. وتفصيل ذلك أن هذا الكتاب -في طبعاته الثلاث: طبعة بولاق سنة ١٣١١هـ، وطبعة المطبعة الخيرية سنة ١٣٣١هـ، وطبعة المطبعة التجارية، وهي كلها عن أصل واحد ولا اختلاف بينها- قد نُسب إلى أبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي؛ وهو مجهول ليس له أدنى ذكر في جميع كتب


١ شرح ديوان الحماسة: ١٣-١٤.

<<  <   >  >>