للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣- وروى النجيرمي أن العباس بن بكار قال للمفضل١: "ما أحسن اختيارك للأشعار؛ فلو زدتنا من اختيارك! فقال: والله ما هذا الاختيار لي، ولكن إبراهيم بن عبد الله استتر عندي، فكنت أطوف وأعود إليه بالأخبار، فيأنس ويحدثني. ثم عرض لي خروج إلى ضيعتي أيامًا، فقال لي: اجعل كتبك عندي لأستريح إلى النظر فيها، فتركت عنده قمطرين فيهما أشعار وأخبار، فلما عدت وجدته قد علَّم على هذه الأشعار، وكان أحفظ الناس للشعر، فجمعته وأخرجته، فقال الناس: اختيار المفضل".

٤- وقال أبو عكرمة الضبي٢: "مر أبو جعفر المنصور بالمهدي وهو ينشد المفضل قصيدة المسيب التي أولها: أرحلت، وهي هذه:

رحلت من سلمى بغير متاع ... قبل العطاس ورعتها بوداع

فلم يزل واقفًا من حيث لا يشعر به، حتى استوفى سماعها؛ ثم صار إلى مجلس له وأمر بإحضارهما. فحدث المفضل بوقوفه واستماعه لقصيدة المسيب واستحسانه إياها، وقال له: لو عمدت إلى أشعار الشعراء المقلين واخترت لفتاك لكل شاعر أجود ما قال لكان ذلك صوابًا؛ ففعل المفضل".

وأحسب أن هذه النصوص، بهذا النسق الذي أرودناها فيه، وبهذه الخطوط التي وضعناها تحت بعض عباراتها قد دلت على ما نريد أن ننتهي إليه؛ وخلاصته: أن العلماء في القرن الثاني كانوا قد فرغوا من تدوين أشعار الشعراء المكثرين، ومن دراسة دواوين الشعراء المشهورين، ومن أجل هذا كان لابد لهم من أن يعمدوا "إلى أشعار الشعراء المقلين" فيختاروا منها "لكل شاعر أجود ما قال". ثم إن الرواية عن الشيخ: قراءة وإملاء، كانت وسيلة من وسائل


١ المزهر ٢: ٣١٩.
٢ القالي: الأمالي ٣: ١٣٠.

<<  <   >  >>