للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تقوم على قراءة الكتاب وحديث الشيخ معًا، بل لقد جمعنا أخبارًا أخرى تدل على أن الإسناد وصيغ التحديث قد توهم السماع على حين لا سماع، وإنما هو أخذ من الصحيفة وحدها من غير قراءة على الشيخ وسماع منه.

٤

وبعد أن استوفينا -في كل ما تقدم- الحديث عن الدعامة الأولى للرواية الأدبية: وهي الصحيفة المدونة، كان لابد لنا من أن نتحدث عن الدعامة الثانية وهي الرواية الشفهية أو السماع. فانتهينا إلى ثلاثة أمور فصلناها في ثلاثة فصول:

أولها: بحث لغوي في دلالة لفظتي: رواية وراوية، وأطوارهما اللغوية التاريخية، دخلنا منه إلى تفصيل الحديث عن التدوين والرواية في حفظ الشعر، وذكرنا أن هذا التدوين الذي ذكرناه -على ما كان من وجوده بل من انتشاره- لم يكن له من سعة هذا الانتشار ما يتيح وجود نسخ كثيرة من الديوان الواحد تفي بحاجة القارئين آنذاك. لقد كان هذا الشعر -أو بعضه- مدونًا، ولكن تدوينه كان مقصورًا على نسخ معدودة هي الأمهات أو المراجع، ينسخها أفراد قلائل من الرواة أو الشعراء أو أبناء قبيلة الشاعر أو الممدوحين من السادة والأشراف، ثم يحفظ هؤلاء جميعًا، أو بعضهم، هذا الشعر، ويتناقلونه إنشادًا -لا قراءة- في مجالسهم ومشاهدهم وأسواقهم، ويرددونه شفاهًا في سمرهم ومحافلهم ومنافراتهم ومواقف فخرهم؛ فيشيع بين العرب، ويتناقله الركبان، عن هذا الطريق من الرواية الشفهية، من فرد إلى فرد، ومن جيل إلى جيل؛ لا عن طريق القراءة والمدارسة من الكتاب أو الديوان.

ثم انتهينا إلى الحديث عن أمر له قيمته وخطره، وذلك هو اتصال رواية الشعر الجاهلي من الجاهلية نفسها إلى عصر التدوين العلمي في القرن الثاني

<<  <   >  >>