للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كذلك يعلمونه الصبيان تعليمًا: يروونهم إياه ويؤدبونهم به. ثم وقفنا وقفة فيها شيء من التفصيل عند شعراء العصر الأموي -وخاصة جرير والفرزدق وسراقة البارقي- وبينَّا، من شعرهم، أنهم كانوا حلقة من حلقات الرواية الأدبية للشعر الجاهلي ولأخبار الجاهلية وأنسابها عامة. وانتقلنا إلى الحديث عن صدر الإسلام عصر الرسول الكريم وصحابته، وفصلنا القول في اتصال رواية الشعر الجاهلي في زمنهم تفصيلًا وافيًا، وحين انتقلنا إلى الجاهلية ذكرنا من الروايات والأخبار ما انتهى بنا إلى أن إنشاد الشعر وروايته كانا دأب العرب في جاهليتهم القريبة المتصلة بالإسلام، حتى حين كانوا -وهم مشركون- يحاربون رسول الله. وبذلك قدمنا من الشواهد والأمثلة ما بين في وضوح أن رواية الجاهلية: أشعارها وأخبارها، لم تنقطع منذ الجاهلية، بل لقد اتصلت في زمن رسول الله وصحابته وخلفائه الراشدين، واستمرت طوال القرن الأول حتى تسلمها العلماء الرواة من رجال القرن الثاني، ولم تكن ثمة فجوة تفصل هؤلاء الرواة العلماء عن العصر الجاهلي، وإنما تلقفوه عمن تقدمهم، وورثوه عمن سبقهم، رواية متصلة وسلسلة محكمة، يأخذها الخلف عن السلف، ويرويها الجيل بعد الجيل، حريصين عليها، معنيين بها

وعقدنا الفصل الثاني من هذا الباب على طبقات الرواة، فرأيناهم ست طبقات: الشعراء الرواة، ورواة القبيلة، ورواة الشاعر، ورواة مصلحين للشعر، ورواة وضاعين، ورواة علماء. وفصلنا القول في كل طبقة تفصيلًا، ووقفنا عند الطبقة الأخيرة، وهم: الرواة العلماء، وقلنا إنها طبقة متميزة من الطبقات السابقة، ومدار تميزها وتفردها على أنها اتخذت من الشعر موضوعًا علميًّا، تدرسه دارسة، بعد أن تأخذه عن شيخ أو أستاذ في مدرسة من مدارس علم الشعر وروايته آنذاك، ونعني بها تلك المجالس والحلقات التي كانت تعقد في المساجد أو في منازل الشيوخ، ويجتمع فيها التلاميذ من العلماء والمتعلمين، يتحلقون حول شيخ شُهِد له بالحفظ والرواية ومعرفة كلام العرب والإحاطة

<<  <   >  >>