شواهد الدكتور طه حسين إنما تعتمد على الدراسة الداخلية.
وثانيهما: أننا رتبنا آراء الذين ردوا على الدكتور ترتيبًا مفصلًا واضحًا بحيث يقابل كل رأي من آرائه رده المفصل، فجاء هذا الترتيب -في جملته ومجموعه- معبرًا عن رأينا، فاستغنينا به عن الإعادة والتكرار.
ثم ختمنا هذا الباب بحديث مفصل عن توثيق الرواة وتضعيفهم وعن مدرستي البصرة والكوفة. وجمعنا بعض الروايات والأخبار التي يتهم فيها القدماء بعضهم بعضًا بالكذب والنحل والوضع، وخاصة الأخبار الكثيرة عن حماد الكوفي وخلف الأحمر البصري، ودرسناها دراسة مفصلة انتهينا منها إلى إظهار الوضع والتلفيق في كثير من هذه الأخبار، ثم بينَّا أسباب تحامل تلاميذ كل مدرسة على تلاميذ المدرسة الأخرى، بل تضعيف تلاميذ المدرسة الواحدة أحيانًا لبعض زملائهم. وأرجعنا كل ذلك إلى عصبيات قبلية حينًا، وسياسية حينًا آخر، وخلافات منهجية بين مدرستين مختلفتين حينًا ثالثًا، وخصومات شخصية حينًا رابعًا.
وكان لابد لنا من أن نفصل القول في منهجي هاتين المدرستين والمصادر التي استقى منها علماء كل مدرسة الحديث واللغة والشعر الجاهلي، فوجدنا أن المذهب البصري قائم في جملته على التشدد والتضييق والميل إلى التقعيد والقياس، وأن الكوفيين كانوا أكثر حرية، وأكثر جرأة، وأنهم قد توسعوا حين ضيق البصريون وتوقفوا، وأخذوا عن مصادر لم يرتضها البصريون، ومن هنا كثرت رواية الكوفيين فاتهمهم البصريون بالتزيد والوضع. وقلنا إن رواية اللغة والشعر عند الكوفيين كان فيها كثرة لا تكثر وزيادة لا تزيد؛ وانتهينا إلى نفي تهمة الوضع المتعمد والكذب عن هؤلاء العلماء من المدرستين معًا، ومع ذلك فإننا لم ننفِ أن في الشعر الذي رووه ما هو موضوع منحول، غير أنهم لم يكونوا هم الذين وضعوه ونحلوه، وإنما رواه بعضهم كما وجده، ثم قاسه على ما بين يديه من مقاييس نقدية تتفق مع منهجه، فأسقط بعضه وصحح بعضه؛ واختلف