علماء المدرستين فيما أسقطوا وفيما صححوا لما بيناه من اختلاف مناهجهم واختلاف مصادرهم.
ثم وقفنا عند كلمة "منحول"، وفرقنا بينها وبين كلمة "موضوع"، وقلنا إن هؤلاء العلماء كانوا يقولون أحيانًا إن هذا الشعر منحول لامرئ القيس، ويقصدون أنه شعر قديم جاهلي لا يشكون في قدمه وجاهليته، ولكنهم يشكون في نسبته إلى امرئ القيس بعينه مثلًا. وذكرنا أيضًا أن هؤلاء العلماء كانوا أحيانًا يسمعون قصيدة جاهلية يرويها أحد الرواة ولكنه لا ينسبها؛ لأنه نسي نسبتها أو لأنه رواها من غير نسبة، فيستمع إليها العالم الراوية ويرجح نسبتها إلى شاعر جاهلي بعينه؛ لأنه رآها أقرب إلى روح ذلك الشاعر وطابعه الفني لكثرة دراسته لشعره ومعرفته بخصائصه. وأوردنا لكل ذلك من الشواهد والأمثلة ما يوضحه.
٦
وبعد أن اطمأننا إلى المحاولة التي أفرغنا فيها جهدنا لملء هذه الفجوة بين الشاعر الجاهلي نفسه، والطبقة الأولى من العلماء الرواة، وأظهرنا أن الرواية الشفهية والتدوين كانا يسيران معًا جنبًا إلى جنب في حلقة متصلة من الجاهلية -أو على الأقل من صدر الإسلام- إلى القرن الثاني، كان لابد لنا أن نتحدث عن هذه الدواوين التي رواها هؤلاء العلماء الرواة، ونقلها عنهم تلاميذهم، حتى وصلت إلينا.
وكان ذلك موضوع حديثنا في الباب الخامس من هذا البحث؛ فقسمناه إلى أربعة فصول: تحدثنا في الفصل الأول عن الدواوين المفردة بعامة، وديواني امرئ القيس وزهير بخاصة، وتحدثنا في الفصل الثاني عن دواوين القبائل، وأفردنا ديوان هذيل بحديث مفصل. وتحدثنا في الفصل الثالث عن مجموعات المختارات كالمفضليات والأصمعيات وحماسة أبي تمام وجمهرة أشعار العرب. ثم