والثالث: أنّ قوله: بإطرادٍ غيرُ محتاجٍ إليه؛ لأنَّ المتحرز منه -وهو قولهم: مطرنا السهل والجبل، وضُربَ زيدٌ الظهر والبطن -قد تقدَّم أنه منصوبٌ على إسقاط الخافض لا على تضمُّن معنى الخافض، فإذا كان غير مضمّن معناه فلم يدخل تحت قوله:"ضُمِّنا في" قطُّ، فلا يختاج إلى الاحتراز منه، وحين احترز منه دلَّ على أنّه عنده مضمَّنٌ معنى في، وإذا كان كذلك فهو ظرفٌ عنده؛ لأن كل مضمن معني "في" ظرف بإطلاق، كان مُطّردًا أو غير مطرد، فظهر أنّه تناقض في هذه العبارة من حيث قصد تحريرها.
والرابع: أنّه يخرُجُ به من الظروف المجمع على أنّها ظروف أشياء كثيرة، فمن ذلك قولهم: هو مني منزلة الولد، ومقعد القابلة، ومزجر الكلب، وهو مني دَرَجَ السيول، فهذه كلها أو ما كان من بابها ظروفٌ باتّفاق مع أنّها لا تتضمّن معنة في باطراد؛ إذ لا تقول: أجلسته منزلة الشغاف، ولا قعَد زيدٌ منزلة الشغاف، كما تقول: أجلسته قريبًا مني، وقعد قريبًا مني، ولا تقول أيضًا: قعد منزلة زيدٌ مزجر الكلب، كما تقول: قعد بعيدًا مني، ولا مكانك دَرَجَ السيول، ولا نحو ذلك مما الظرفية فيه سماعٌ، فصارت هذه الأشياء كلها بمنزلة: مُطرنا السهل والجبل، فاقتضى كلامه أنّها غيرُ ظروف، وليس كذلك بل هي ظروفٌ عندهم، فإذا يخرج عن حدّه هذه الأشياء، عن كونها ظروفًا، وذلك فاسدٌ.