يكن الافتقار إلى المفسر موجبًا للبناء في نحو: عشرين، وكل، وبعض، وكلا، ونحو ذلك لما كان الافتقار طارئًا بعد استقرار المعنى الإفرادي، وقد جعلوا ذا الإضافة مُضمَّنًا معنى اللام في نحو: غلام زيدٍ، ومعنى من في نحو: ثوبُ خَزٍّ، ومعنى في عند ابن مالك في نحو:{ألَدُّ الخِصامْ}، ولم يكن ذلك موجبًا للبناء لما كان ذلك التضمين عارضًا. وفي كلام العرب من هذا أشياء. والتضمين في كلا الوجهين مخالف لتقدير الحرف في نحو: دخلت البيتَ، ومُطرنا السهل والجبل، فيقال: إنّه منصوب على إسقاط الخافض لا على تضمين الحرف. ويقال في: جئت يوم الجمعة: إنه منصوب على تضمين معنى الحرف لا على إسقاطه؛ لأن بين الأمرين عندهم فرقًا يعرفه نُظَّار الصناعة، كما أنّ عندهم فرقًا بين قولك: اخترتُ الرجال زيدًا، وبين قولك: شكرتُ زيدًا؛ حيث قالوا: إنّ الرجال منصوبٌ على إسقاط الخافض، وزيدًا في: شكرتُ زيدًا منصوبٌ لا على إسقاط الخافض، مع أنّك تقول فيهما: اخترتُ من الرجال زيدًا، وشكرتُ لزيدٍ؛ إذ ذلك كلّه مقصودٌ في الاصطلاح، ومبنيٌّ على معنى صحيح، فإطلاق الناظم لفظ التضمين هنا هو على أحد الوجهين فلا اعتراض عليه.
وعن الثالث أن يقال: لا يخلو أن يكون هذا التعريفُ عنده بالذاتيات حتى يكون حدًّا حقيقًا، أو بالخواصّ الخارجة عن الذات حتى يكون حدًّا رسيمًا؛ وذلك أنّ القاعدة عن أرباب الحدود أنّ الحدّ إنما يطلب به أن يكون معرِّفًا للماهية على كمالها، ومُبيّنًا لها بجميع أجزائها على التفصيل فيُؤتى فيه بالجنس الأقرب أولًا -وهو الجزء المشترك، ثم يؤتى بعده بالفصول الذاتية للمحدود، وإن كانت أبعد- وكانت ممّا يحصل بالواحد منها الكفاية في التمييز -فإن ترْكَ بعض الفصول، ولو كان مستغنى عنه في التمييز -تركٌ لتعريف جزء من الذات.