على ما تقدم، وكان لو سكت أو اقتصر على تعريفه بالنون وحدها لم يصلح للاشتراك الواقع بينه وبين الماضي والمضارع في لحاقها، ضم غلى ذلك قرينة أخرى ليكون المجموع معرفا للأمر.
فقال:(إن أمر فهم) أي: وسم بالنون المذكورة فعل الأمر لكن بشرط أن يفهم من الفعل معنى الأمر تحرزا من الماضي والمضارع، وبضم هذه الشريطة تم له ما أراد من التعريف، وكذلك فعل في "التسهيل" فقال: والأمر معناه ونون التوكيد أي: ويُميز الأمر هذان الأمران معا.
فإن قيل: تمييزه بين الأفعال الثلاثة غير مخلص لخروج فعل التعجب الذي هو ما أفعله عن كونه ماضيا، إذ لا يصلح للم ولا للتاء، وإن صلح للنون المميزة للأمر، لم يتميز بها إلا مع اقتران معنى الأمر، وهو مفقود في "أفعل به" فظهر أنه لم يذكر من أي نوع همان وكذلك "حبّ" من حبذا لا يصلح للتاء ولا للم ولا للنون فخرج عن كونه ماضيا وهو ماض بلا بد؟
فالجواب: أن التعريف بالكلم إنما يكون مع اعتبار أصلها قبل عروض العوارض، فإذا ذاك يتميز بعضها من بعض لظهور أوصافها الذاتية، فإذا طرأ التركيب لم ينظر إليها في تلك الحال؛ لطروء العوارض المانعة من ظهور آثار تلك الأوصاف، ألا ترى أن من الأسماء: سبحان الله وريحانهُ، ولبيك وسعديك ودواليك، ويا هناهُ ويا لَكاع، وكثيرا من ذلك لا يصلح واحد منها لخاصة من تلك المتقدمة حالة التركيب، مع أنها لم يعترض بها عليه وإن اعترض الشيوخ بها على غيره على جهة التدريب وتفهيم حقائق