للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَغْبنُنِي عَقْلِي بِانْحِطَاطِكَ فِي هَوَايَ؟ فَقُلْتُ: كَلَّا يا أمِيرَ المُؤْمِنِيْنَ إنَّكَ لتَجِلُّ عَنِ الحَرشِ (١). قَالَ: انْظُرْ حَسَنًا. قُلْتُ: قَدْ نَظَرْتُ. قَالَ: السَّبْقُ لِمَنْ؟ قُلْتُ: لأمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: أسْهَمْتُ لَكَ فِيْهِ العُشْرَ وَالعُشْرُ كَثِيْرٌ، ثُمَّ رَمَى بِطَرْفِهِ إلَى


= قَالَ أَبُو القَاسَمِ بن الصَّيْرَفِي قَدْ قِيْلَ أنَّ عَدِيًّا أَنْشَدَ: تُزْجَي أغَنّ كَأَنَّ إِبْرَةَ رَوْقِهِ وَكَانَ جَرِيْرٌ حَاضِرًا قِيْلَ لَهُ مَا تَرَاهُ يَقُوْلُ فَقَالَ قَلَمٌ أَصَابَ مِنَ الدَّوَاةِ مِدَادهَا.
فَقَالَ عَدِيٌّ كَذَلِكَ وَهَذَا مَنْ بَوَادِرِ الخَوَاطِرِ. وَمِثْلهُ مَا يُرْوَى عَنِ الفَرَزْدَقِ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا تَوَجَّهْتُ إِلَى هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ جَعَلْتُ نَاقَتِي تَلتفِتُ يَمِيْنًا وَشِمَالًا فَقُلْتُ:
عَلَامَ تَلفتين وَأَنْتِ تَحْتِي ... وَخَيْرُ النَّاسِ كُلَّهُمُ أَمَامِي
مَتَى تَرِدِي الرَّصَافَةَ تَسْتَرِيْحِي ... مِنَ الإِنْضَاءِ والدبر الدوامي
ثُمَّ قُلْتُ كَأَنِّي بِابْنِ المرَاغَةِ يَعْنِي جَرِيْرًا إِذَا سَمِعَ هذين البَيْتينِ قَالَ:
تَلَفَّتْ إِنَّهَا تَحْتَ ابنِ قَيْسٍ ... حليف الكِيْرِ وَالفَأْسِ الكهَامِ
مَتَى تَرِدِ الرَّصَافَةَ تحزّ فيها ... كَحزّكَ فِي المَوَاسِمِ كُلّ عَامِ
وَاجْتَمَعَ مَعَ جَرِيْرٍ عَلَى بَابِ هِشَامٍ فَأَنْشَدَهُ البَيْتَيْنِ الأَوَّلَيْنِ فَقَالَ جَرِيْرٌ:
تَلَفَّتْ إِنَّهَا تَحْتَ ابنِ قَيْسٍ، حَتَّى أَتَى عَلَى البَيْتَيْنِ لَمْ يغادر مِنْهُمَا شَيْئًا، فَقَالَ الفَرَزْدَقُ: كذا قُلْتُ إِنَّكَ تَقُوْلُ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّ شَيْطَانِنَا وَاحِدٌ. وَهَذِهِ الحِكَايَةِ ثبُّتتْ فِي الأَصْلِ فِي بَابِ وُقُوْعِ الحَافِرِ عَلَى الحَافِرِ وَذُكِرَتْ هَاهُنَا لِتَغَايُرِ بَعْضِ الأَلْفَاظِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ المَعْنَى وَاحِدًا.
(١) عَنِ ابنِ دُرَيْدٍ قَالَ قَالَ الضَّبُّ لابنِهِ: اتَّقِ الحِرْشَ. فَقَالَ: وَمَا الحِرْشُ؟ قَالَ: إِذَا سَمِعْتَ حَرَكَةً بِبَابِ النّقبِ فَلَا تَخْرُجْ. فَسِمِعَ يَوْمًا وَقع مِحْفَارِ حَافِرٍ لِيَصْطَادهُمَا فَقَالَ: - يَا أَبَتِ هَذَا الحِرْشُ. فَقَالَ: هَذَا الرَّجُلُ مِنَ الحِرْشِ. فَسَارَ مَثَلًا يُضْرَبُ لِلرَّجُلِ يَسْمَعُ الشَّيْءَ وَهُوَ أَشَدُّ مِمَّا كَانَ يَتَّوقّعهُ.
وَأَصْلُ المَثَلِ التَّحْرِيْضُ مِنْ قَوْلهِمْ حَرَّشْتُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَالحِرْشُ فِي صَيْدِ الضَّبِّ أَنْ يُجَاءَ بِجَيْئَةٍ إِلَى بَابِ جُحْرِ الضبِّ فَيَتَحَرَّك فَإِذَا سَمِعَ حَرَكَتَهَا خَرَجَ لِيُقَاتِلَهَا فَاصْطِيْدَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>